المقدمة
تمنح الحكومة المحلية في البصرة سنوياً لموظفي القطاع العام "عطلة ارتفاع درجات الحرارة" عندما تصل درجات الحرارة أو تتخطى 50 درجة مئوية، وهو أمرٌ لجأت إليه مدن أُخرى في البلاد. اعتُمِدت هذه الآلية للتخفيف من وطأة حرارة أشهر الصيف على العاملين في القطاع الحكومي، إلا أنّ الراحة التي توفرها لا تكاد تُذكر؛ إذ يتوجب على الموظفين تحمّل ساعاتٍ طويلة من انقطاع التيار الكهربائي عند مكوثهم في منازلهم، إضافة إلى الضوضاء وتلوث الهواء المتزايدين بفعل مولدات الديزل الأهلية. من المتوقع تزايد عدد أيام القيظ في العراق خلال السنين القادمة، لذا فمن الضرورة بمكانٍ التحري عن حلولٍ للطاقة المتجددة في البلاد كالطاقة الشمسية. مع ذلك، قد يخضع تحقيق هذا الأمر إلى بعض التعقيدات.
على الرغم من كون طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية خياراتٍ ناجعة كمصادر للطاقة المتجددة في العراق، إلان إن البلد يتمتع بمزايا خاصة فيما يتعلق بالطاقة الشمسية. يتلقى العراق متوسط إشعاعٍ يقدر بـ ٥٫٦ كيلو واط ساعة للمتر المربع في اليوم وما يزيد عن ٣٠٠٠ ساعة من الإشراق الشمسي كل عام. مع ذلك، من المستبعد قيام العراق بمنعطفٍ كبيرٍ نحو التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة خلال المستقبل القريب؛ ولكن هذا لا يعني عدم إمكانية إحراز أي تقدم في هذا المجال. يتوجب على الدولة اتخاذ خطواتٍ ملموسةٍ عبر الاستثمار في البنى التحتية ذات الصلة، وتقوية إطار سياساتها فيما يتعلق بتمويل مشاريع الطاقة الشمسية، إضافةً إلى التغلب على العوائق الفنية والسياسية.
عشرون عاماً مضت على سقوط نظام البعث، وما زال قطاع الطاقة العراقي يواصل قصوره عن تلبية كل من الطلب المتزايد على الطاقة وطموحات الحكومات المتعاقبة في تحسين القدرة الاستيعابية، فازداد معدل انقطاع التيار الكهربائي والاعتماد على الوقود الأحفوري، فيما اتسعت الفجوة بين العرض والطلب. في عام ٢٠٢٣، أنتجت محطات الكهرباء العراقية حوالي ٢٤,٠٠٠ ميغاواط ، وهذا اقل بكثير من الحاجة اللازمة لتغطية الطلب المحلي والتي تقدر بـ ٣٤,٠٠٠ ميغاواط . يعتمد العراق حالياً على الغاز الطبيعي المستورد من إيران وعلى الطاقة المنقولة من دول الجوار الأُخرى لتعويض النقص الحاصل . من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة بحلول عام ٢٠٣٠ بفعل النمو السكاني والاقتصادي، بيدَ إن العراق بحوزته خططٌ لمشاريعٍ جديدةٍ من شأنها استغلال موارده من الغاز الطبيعي أملاً في مجابهة هذا التحدي ولتعزيز قدرته على الاكتفاء الذاتي. مع ذلك، يُعد الاستثمار في التحول الى الطاقة الشمسية جزءاً اخراً بالغ الأهمية ضمن استراتيجية شاملة سوف تسهم في تقدم العراق الاقتصادي واستقراره والحد من التلوث البيئي. يدرس هذا البحث كيفية تسخير الإمكانات المتاحة في مجال الطاقة المتجددة الناشئ وتكثيف الجهود من أجل تحول العراق نحوها.
ما هي الغاية من التحوّل نحو الطاقة المتجددة؟
خلال العقدين الماضيين، كانت انقطاعات الكهرباء الطويلة والمتكررة عاملاً اساسياً في انعدام الأمن في العراق ؛ حيث أثار العجز عن توفير الطاقة احتجاجاتٍ في مختلف أرجاء البلاد، وما زاد الأمر سوءاً تعرض العراق لموجات الحر البالغة الشدة مصحوبةً بالتخبط والفشل في إحراز أي تقدم سياسي بخصوص توفير طاقة كافية. تصاعدت المظاهرات إلى اشتباكات عنيفة في بعض الحالات، بل حتى إنها أجبرت حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة خلال مظاهرات تشرين عام ٢٠١٩. لكن التحول نحو الطاقة المتجددة سوف يسهم فيما هو أبعد من تعزيز الاستقرار والتطور الاقتصادي فحسب.
فإن الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة لن يساعد العراق في بلوغ مساهماته الوطنية ضمن اتفاقية باريس للمناخ فحسب، بل سوف يسهم في تحسين حياة مواطنيه لأجيالٍ عديدةٍ قادمة.
قد توفّر المبادرة في اتباع حلول الطاقة المتجددة شيئاً من الإغاثة البيئية عن طريق الحد من الانبعاثات الكربونية، إذ تنتَج أكثر من ٨٠٪ من الطاقة الكهربائية التي تُولًّد في العراق من مصادر الوقود الأُحفوري. وفي سياقٍ آخر وعلى الرغم من الجهود المبذولة لاغتنام الغاز الطبيعي ، ما زال العراق مستمراً في حرق مليارات الامتار المكعبة منه كل عام، حاصلاً بذلك على المركز الثاني لأعلى الدول إحراقا للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا. مع ذلك، حتى لو قام العراق باستغلال جميع موارد الغاز الطبيعي لديه في توليد الطاقة الكهربائية فستبقى الانبعاثات الكربونية مصدرا كبيراً للتلوث البيئي في البلاد؛ إذ إن لمولدات الديزل الأهلية دوراً كبيراً في ذلك. تتسبب تلك الانبعاثات بمشاكل صحيةٍ وبيئيةٍ جمّةٍ في العراق، لا سيما في محافظاته الجنوبية، حيث سجلت التقارير ارتفاعا ملحوظا في المشاكل الصحية للمواطنين. هنالك علاقة وثيقة تربط الكثير من حالات الربو وارتفاع ضغط الدم وأنواع من السرطان كاللوكيميا ( سرطان الدم ) ، بالمواد الكيمياوية الموجودة في الوقود الأُحفوري والتي لها بالغ الأثر في تلوث الماء والهواء والأرض. وعليه، فإن الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة لن يساعد العراق في بلوغ مساهماته الوطنية ضمن اتفاقية باريس للمناخ فحسب، بل سوف يسهم في تحسين حياة مواطنيه لأجيالٍ عديدةٍ قادمة.
سياساتٌ طموحةٌ وتنفيذٌ معيب
لطالما عانى العراق من نقص الطاقة الكهربائية منذ أوائل التسعينيات بفعل الحروب والعقوبات الاقتصادية والبنى التحتية القديمة والمتهالكة. بعد عام ٢٠٠٣، وعدت الحكومة الجديدة بإعادة إعمار قطاع الكهرباء وزيادة قدرته الاستيعابية وعوداً استقبلها الشارع العراقي بالتفاؤل والترحاب. منذ عام ٢٠٠٨، وقع العراق عدّة عقود ومذكرات تفاهم مع شركات طاقة بارزة مثل سيمنز وجنرال الكتريك ، كما وقعت وزارة الكهرباء اتفاقيات مع مستثمرين سعوديين و إماراتيين لتطويرِ مصادر للطاقة المتجددة. لكن لم تحرز تلك المبادرات أي تقدمٍ بسبب الفساد والتوترات السياسية، واللذان أدّيا الى تأخيرٍ شديدٍ وعرقلة في العمل.
يبدو أن الحكومة لم تدرك بعد مدى الضرورة الملحّة لتنفيذ سياسات فعلية تعنى بالعمل على حلول الطاقة البديلة للتكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره. كان العراق قد تعهد بالتقليل من حرق الغاز وتحسين تقنيات الطاقة المتجددة لديه كجزء من التزاماته ضمن اتفاقية باريس للمناخ، إلا أن طموحاته في القيام بتحولٍ أخضر مستدام لم تعْدُ كونها شكلياتٍ تتمثل في توقيع الاتفاقيات مع مطورين مرموقين في مجال الطاقة المستدامة . إلَا أن هناك علامات على أرض الواقع تدل على الشروع في محاولاتٍ واستثماراتٍ ملموسة.
على سبيل المثال، شارك العراق في مشروع تجريبي مدعوم من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بين عامي ٢٠١٢ و ٢٠٢٠ للمساعدة في تنمية مبادرات منتجي الطاقة المستقلين (IPP) العامة والخاصة وذلك عن طريق بناء قدراتهم وهياكلهم التنظيمية. في ذلك الوقت، قام برنامج الأمم المتحددة الإنمائي وشركاؤه بالمراجعات القانونية والتقنية والسياساتية لمجابهة العوائق المحتملة أمام بناء مشاريع الطاقة المتجددة. في عام ٢٠٢١، أطلق البنك المركزي العراقي مبادرة التحول إلى الطاقة المتجددة بقيمة ٦٨٥ مليون دولار؛ وهي إطار عملٍ يهدف إلى تمويل مشاريع الطاقة النظيفة شاملاً الأفراد والشركات الصغيرة والبلديات والمستثمرين لتعزيز مرونة مناخ العراق ومقاومته للتدهور البيئي.
سوف تحتاج مبادرة البنك المركزي العراقي إلى عدة سنوات لتؤتي أكلها، إذ يحتاج الأمر إلى مزيدٍ من الوقت لرفع مستوى الوعي بين الناس بشأن الفوائد بعيدة المدى في التحول إلى الطاقة النظيفة. أما أغلب المعوقات المتبقية فهي إما ذات طبيعة سياسية أو بنيوية، وفقاً للسيدة باسمة عبد الرحمن، وهي مؤسسة شركة كةسك (KESK) للحلول الخضراء ومقرها في أربيل. تتعرض الجهود الريادية في قطاع الطاقة المتجددة إلى سلسلة من العمليات البيروقراطية المملة التي تؤثر سلباً على الرغبة في متابعة عروض الدعم المالي التي يقدمها البنك المركزي العراقي. أوضحت السيدة باسمة: "نحن نخبر زبائننا مراراً عن مبادرة البنك المركزي العراقي وعن المزايا التي تحملها فيما لو رغبوا بخدماتنا الجديرة بالثقة. لكن غالباً ما ينسحبون بسبب تعقيدات العملية وانعدام الثقة في نظام القرض، وهو ما يؤدي إلى خسارة الزبائن". كما ذكرت بأنه من المجازفة الاعتماد على سياسات حديثة العهد لأنها غالباً ما تتغير بتغير القيادة السياسية أو الأهداف المرسومة أو الأولويات.
تتعرض الجهود الريادية في قطاع الطاقة المتجددة إلى سلسلة من العمليات البيروقراطية المملة التي تؤثر سلباً على الرغبة في متابعة عروض الدعم المالي التي يقدمها البنك المركزي العراقي.
وفي نفس السياق، يكافح رواد الأعمال أيضاً مع الأسواق غير النظامية واستراتيجيات التسعير. فمثلاً، شركةٌ متخصصة مثل كةسك توفر الاستشارات للمشاريع المهتمة بتنصيب أنظمة الطاقة الشمسية، كما تصمم وتجهز أنظمة تكييف الهواء العاملة بالطاقة الشمسية لمنظمات دولية تعمل في العراق؛ وعلى الرغم من ذلك، كثيراً ما تتعرض كةسك للمشاكل عندما يعثرُ زبائنٌ محتملون على مزوّدي خدماتٍ مشابهة غير معتمَدين يعرضون أنظمة طاقة شمسية منخفضة الجودة. وفقاً للسيدة باسمة، يمثل أصحاب الأعمال غير المتخصصة تحدياً كبيراً لشركتها الفتية بسبب عدم قدرتها على منافسة أسعارهم الأدنى.
لمن الساحة الآن؟
تتصدر كل من منظمات المساعدة الدولية ومؤسسات التنمية والحكومات الأجنبية، مبادرات تمويل وتنفيذ مشاريعٍ ضيقة النطاق عن الطاقة المتجددة في العراق. كما وتعاونت عددٌ من المؤسسات من ضمنها مجموعة البنك الدولي والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي وبرنامج الأمم المتحددة الإنمائي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وصندوق الإصلاح والتعافي وإعادة إعمار العراق مع حكومة العراق الفدرالي وحكومة إقليم كردستان لتعزيز قطاع التمويل متناهي الصغر. يتضمن ذلك تطوير نظام المنح لتحفيز الاستثمار الخاص في الشركات الناشئة المحلية، بما فيها تلك المتخصصة في قطاع الطاقة المتجددة.
لقد سهّل القطاع الإنساني بالدرجة الأولى من مهمة تلك الجهود، إذ صبت المنظمات الدولية جل اهتمامها على دعم المجتمعات الموجودة في شمال العراق الذي يؤوي النازحين في القرى النائية، بالإضافة إلى النازحين العائدين إلى مجتمعاتهم الأصلية. على سبيل المثال، تدعم الجمعية الألمانية لمكافحة الجوع في العراق ( Welthungerhilfe ) ما يقارب ١٤,٠٠٠ من المزارعين أصحاب الاعمال الصغيرة في محافظة نينوى من خلال مشروعها للطاقة الشمسية الذي يوفر لهم استفادةً مستدامةً من الكهرباء ووحدات الخزن المبردة والمياه الجارية وأنظمة الري التي تعمل بالطاقة الشمسية. إضافةً إلى ذلك، يوفر مشروع الطاقة المتجددة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعمَ للفلاحين من خلال آبار الري التي تعمل بالطاقة الشمسية ، حيث يساعدهم على الانتقال إلى ممارسة الزراعة المستدامة ريثما يتعافون من الصراع مع ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
أوضح السيد نشوان ظاهر، وهو مدير برنامج العراق في المركز الدولي لخدمات إدارة المياه سيواس ، بأن لخطط التمويل الصغير دوراً جوهرياً في تعزيز الاستقرار في العراق؛ يجدر بالذكر أن سيواس هي شركةٌ استشارية في ريادة الأعمال في مجال المياه. مع ذلك، يتطلب قطاع الطاقة المتجددة المتنامي في البلاد ما هو أكثر من التمويل والبنى التحتية، على حد قول السيد نشوان. لفاعليةٍ أكثر تأثيراً، على المنظمات ذات الصلة أن توسع نطاقها الجغرافي لأبعد من المناطق المتضررة بفعل داعش وأن تدعم طيفاً أوسع من الأعمال في مختلف القطاعات. علاوةً على ذلك، يتوجب على الحكومة العراقية العمل مع شركائها الدوليين لتطوير خبراتٍ تقنيةٍ وتوفير مبادراتٍ تعليميةٍ ودعم البحث والابتكار.
عادةً ما تواجه المشاريع الريادية التي تروج للطاقة المتجددة درجةً عاليةً من عدم اليقين التجاري والمقاومة الاجتماعية؛ إذ يتردّد العديد من الأفراد وأصحاب الأعمال في استبدال مولدات الديزل خاصتهم بأنظمة الطاقة الشمسية، فهم يعتقدون بأن الوقود الأُحفوري سوف يكون متاحاً إلى الأبد. قد تنفق اسرةٌ متوسطة الدخل ما بين ٥٠ إلى ١٠٠ دولار في الشهر على مولدات الديزل الأهلية في حيّها، وهذا لا يشمل تكاليف الصيانة الإضافية وتكاليف الكهرباء التي تحصل عليها من شبكة الكهرباء الوطنية. بينما تتراوح كلفة تنصيب نظامٍ للطاقة الشمسية للاستخدام المنزلي بين ٣٠٠٠ إلى ٢٠،٠٠٠ دولار حسب نوعه وحجمه. لذلك، من المهم رفع مستوى الوعي العام من خلال شتى قنوات التواصل لتشجيع الطلب على أنظمة الطاقة المتجددة.
يقول السيد علي صادق، وهو مواطنٌ يسكن في محافظة البصرة، بأنه قد أنفق مؤخراً ٢،٥٠٠ دولاراً على مولّد ديزل مستخدم. ليس ذلك فحسب، بل إنه يدفع باستمرارٍ ما يقارب ٩٠ دولاراً في الشهر الواحد من أجل خدمات مولّد الحي، مبيناً أن هناك مجازفةً في الاعتماد على مصدرٍ واحدٍ للطاقة فقط، لا سيما عندما تبلغ درجات الحرارة ٥٠ درجة مئوية وتنقطع الكهرباء الوطنية لفترات طويلة. وعندما تم سؤاله فيما لو رغب باعتماد نظام الطاقة الشمسية لمنزله بدلاً عن مولدات الوقود الأُحفوري أجاب بأنه يعي ما في التحول للطاقة الشمسية من منافعٍ بيئيةٍ وفوائدٍ ماليةٍ على المدى البعيد؛ إلا أنه أبدى قلقاً بشأن فعالية الألواح الشمسية أمام العواصف الرملية والترابية المتكررة التي كثيراً ما تجتاح العراق. قد يقلل تراكم التراب من كفاءة الألواح الكهروضوئية بنسبة تصل حتى ٣٠٪ في غضون شهر واحد . تتوقع وزارة البيئة ٢٧٢ يوما من الأجواء الترابية لكل سنة من السنتين القادمتين. يمثل هذا تحدياً حقيقياً لتسويق أي نوعٍ من مشاريع الطاقة الشمسية.
تخطي شكليات السياسات
من أجل اتخاذ خطوة كبيرة نحو تطوير قطاع الطاقة المتجددة في العراق لا بد من تجاوز الاتفاقيات الإقليمية وأهداف السياسات المبهمة؛ والاستعاضة عن ذلك بالإعلان عن مبادراتٍ للتمويل. هنالك حاجة لكل من التمويل الإضافي والاستراتيجيات الشاملة على حد سواء لتحقيق الهدف المرجو المتمثل بتوليد 12000 ميغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، إذ يُتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة حينذاك. يعادل هذا المقدار حوالي ثلث الإنتاج الكلي للبلد من الكهرباء. على أي حال، من المستبعد بلوغ ولو نصف هذا الهدف في العراق نظراً لنقص الاستثمار، إذ لا تتضمن الموازنة الاتحادية الثلاثية التي مُرّرت مؤخراً سوى فقرةً واحدةً فقط معنيةً بالطاقة المتجددة تتضمن تخصيص مبلغ 200 مليون دولار لبناء مشروعٍ للطاقة الشمسية. يُرجح أن تبلغ السعة الإنتاجية لتلك المنشأة الجديدة حوالي ٧٥٠ ميغاواط.
لذلك، يتوجب توفر كل من الإصلاحات الجذرية والرؤية السياسية لدى قيادةٍ حريصةٍ على التزاماتها لتسهيل الانتقال إلى الطاقة المتجددة. سوف يستغرق الأمر سنيناً لإعادة بناء قطاع الطاقة للبلد بمجمله، ولكن ينبغي على العراق اغتنام الفرصة المتاحة حالياً من حيث الأوضاع الأمنية المستقرة لتسريع جهوده في بناء مشاريع الطاقة المتجددة. قد يكمن الحل في تسهيل الاستثمار الدولي لتمكين وتمويل المشاريع الصغيرة فيما لو عزم العراق على الالتزام بمساهماته المحددة وطنياً واستراتيجيات نموه الاقتصادي.
تتمثل الخطوة الأُولى في حث الطلب المحلي نحو اللجوء إلى حلول الطاقة النظيفة. على سبيل المثال، على الحكومة أن تبدأ بمؤسساتها عن طريق توجيه الأوامر إلى الوزارات والمديريات بمراقبة بصمتها الكربونية والاستفادة من فرص التمويل التي يعرضها البنك المركزي العراقي للتحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة. تستهدف السياسة الحالية، التي تمتد حتى عام 2030، ما نسبته ٢٠٪ فقط من الكيانات الحكومية. ينبغي أن تقترن هذه المبادرة بحملةٍ واسعةٍ لرفع مستوى الوعي العام لحث الأفراد والشركات على النظر في التحول إلى حلول الطاقة المتجددة. قد تجابه تلك المساعي بعض المقاومة على اعتبار أن أصناف الوقودَ الأُحفوري متوفرةٌ بالفعل ورخيصةٌ إذا ما قورنت مع أنظمة الطاقة الشمسية. وعليه، ينبغي على الحملة التركيز على توضيح الآثار البيئية الضارة لمولدات الديزل ومحطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز كوسيلةٍ لإقناع المستهلكين على التحول للطاقة المتجددة.
يتوجب توفر كل من الإصلاحات الجذرية والرؤية السياسية لدى قيادةٍ حريصةٍ على التزاماتها لتسهيل الانتقال إلى الطاقة المتجددة. سوف يستغرق الأمر سنيناً لإعادة بناء قطاع الطاقة للبلد بمجمله، ولكن ينبغي على العراق اغتنام الفرصة المتاحة حالياً من حيث الأوضاع الأمنية المستقرة لتسريع جهوده في بناء مشاريع الطاقة المتجددة.
علاوةً على ذلك، تبقى أنظمة الطاقة الشمسية مرتفعة الثمن نسبياً بالنسبة للمستهلك متوسط الدخل، لذلك على البنك المركزي العراقي وباقي المصارف توفير قروضٍ ملائمة للإعانة على تنصيبها وصيانتها. قد يساعد هذا أيضاً على زيادة معدل التوظيف في المشاريع المحلية التي تعمل في مجال الطاقة المتجددة. وهكذا، سوف تكون النتيجة ذات منفعة متبادلة.
وفي نهاية المطاف، بينما تشتد ضراوة أزمة التغير المناخي على العراق، تصبح ضرورة تنويع مصادر قطاع الطاقة لديه أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق رفع معدل استخدام الطاقة المتجددة. تقول السيدة باسمة مستذكرةً التحديات التي تواجهها شركتها: "نحن نواجه الكثير من التحديات منذ أن انطلقنا في هذه المسيرة، إلا أنني أُدرك بأن الانتقال الى الطاقة المتجددة في العراق قد بات حاجةً ملحةً، وليس رفاهيةً على الإطلاق".