سيشكّل تغير المناخ تهديدًا متزايدًا للوصول إلى المياه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقد يشهد العراق هذه التأثيرات بشكل أسرع من بعض البلدان الأخرى في المنطقة. لكن الوضع المائي الكارثي الذي تعاني منه المناطق الجنوبية من العراق لا يرجع في المقام الأول إلى تغير المناخ، على الأقل حتى الآن. إن مشاكل العراق المتعلقة بندرة المياه وتلوثها هي نتاج توجّهين بارزين: أولاً، أدّت السدود التي أقيمت عند المنبع في تركيا وإيران إلى انخفاض كبير في إمدادات المياه التي تدخل العراق في العقود الأخيرة، فيما لم تتفاوض الوفود الدبلوماسية العراقية المتعاقبة بعد على اتفاق مستدامٍ وطويل الأمد.[1] ثانياً، أدى سوء حوكمة المياه في العراق وإنفاذها، خاصة بين عام 2003 والوقت الحاضر، إلى خسائر مفرطة في المياه بالإضافة إلى انتشار التلوث في المنظومة. لقد تركت الاضطرابات السياسية وانعدام الأمن الذي أعقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة البنية التحتية للمياه في العراق والآليات التنظيمية في حالةٍ من الاختلال الوظيفي والبعد عن مصاف الأولوية.[2]وفيما تفلت من العقاب القطاعات الصناعية التي تلوّث إمدادات المياه في البلاد، تعمل المشاريع الإنشائية الضخمة على حفر آبارٍ تتجاوز الحدود التي سمحت بها الدولة.[3] وفي الوقت نفسه، تعاني شبكات أنابيب المياه وأنظمة الصرف ومرافق معالجة مياه الصرف الصحي من سوء الصيانة وغالبًا ما تكون عاطلةً تمامًا.[4] وقد أكّد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مراراً وتكراراً على أهمية البيئة والموارد المائية في العراق، ولكن تبقى العين على إمكانية تحقق هذه التصريحات على مستويي أولويات السياسة والموازنة.[5]
واستكمالاً لجهود الجيل الصاعد من الناشطين البيئيين في العراق، أطلق معهد آيرس النسخة الأولى من برنامج "الحوكمة البيئية: دور الشباب في تعزيز المساءلة"، والتي جمعت عدداً من القادة الشباب الملتزمين بوضع الحكومة العراقية قيد المساءلة لتحقيق تقدمٍ ملموس نحو الحفاظ على الموارد المائية، والحد من تلوث المياه، وتحسين الحوكمة البيئية بشكل عام. في الفترة من 26 إلى 27 كانون الثاني/يناير 2024، اجتمع 20 قائدًا شابًا من 11 محافظة عراقية في السليمانية لحضور الورشة الأولى من الورشتين المقررتين للبرنامج، بوجود مدربين وخبراء من الأوساط الحكومية والأكاديمية. هدفت الورشة الأولى إلى تزويد المشاركين بمقدّمةٍ عن دور الحكومة العراقية في إدارة الموارد البيئية والمائية في البلاد، وتحديد الفجوات التي تتطّلب المتابعة والمساءلة على المستوى الشعبي. يقدّم هذا الموجز السياساتي نظرةً عامة على الأفكار الرئيسية التي طرحت في الورشة.
فهم مدى تعقيد حوكمة البيئة والمياه
أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الناشطين البيئيين الشباب في جهودهم الرامية إلى مساءلة الحكومة هو التعقيد الهائل للنظام الحكومي فيما يتعلق بالمياه والبيئة.[6] تُنظّم حصص المياه وتدار من قبل العديد من سلطات الحكومة العراقية، بما في ذلك وزارة الموارد المائية ووزارة البيئة ووزارة الزراعة ووزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، بالإضافة إلى السلطات المحلية والجهات التشريعية والهيئات المعنية في حكومة إقليم كوردستان، والأمر نفسه بالنسبة لتلوث المياه. لكلِّ من هذه الجهات الحكومية أدوارٌ مميزة وقيودٌ مالية، ويجب فهم هذه العناصر قبل أن يتمكن المرء من مساءلتها عن أدائها. وبالتالي، فإنّ أحد أهداف برنامج "الحوكمة البيئية: دور الشباب في تعزيز المساءلة" الرئيسية – إن لم يكن الهدف الأساسي، هو تزويد المشاركين بفهمٍ دقيق لهذه الصورة من العمل المشترك بين المؤسسات. بالمجمل، يهدف البرنامج إلى تحقيق ما يلي:
- تمكين القادة الشباب من فهم التركيبة الداخلية لحوكمة المياه والبيئة في العراق في الإدارات الحكومية ذات الصلة، بما في ذلك أسباب قلة الكفاءة.
- تزويد القادة الشباب بالمهارات والشبكات اللازمة لتطوير آليات مساءلة تبدأ من المواطن لوضع الجهات الفاعلة في مجال حوكمة المياه والبيئة قيد المساءلة.
- إحداث تحوّل شامل في توجّه المناصرة البيئية بين الشباب من التوعية العامة بتغير المناخ إلى تعزيز المساءلة القادمة من المواطن بشأن الإدارة البيئية.
إن التركيز على نظام الحوكمة البيئية/المائية المعقّد في العراق (بما في ذلك الجهات المعنية في الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان) لا يعني التقليل من أهمية مساءلة الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى، بما في ذلك شركات القطاع الخاص المحلية والمنظمات والقوات الدولية وشركات النفط الدولية؛ ومع ذلك، يجب أن تحظى الحكومة العراقية بالجزء الأكبر من الاهتمام لكونها المسؤولة بشكلٍ رئيسي عن إدارة وتنظيم البيئة في العراق، ولحسن الحظ فإن النشطاء البيئيين الشباب يعملون بالفعل مع الحكومة على عددٍ من القضايا البيئية في مجموعة متنوعة من السياقات المحلية والمنتديات الوطنية.
الفجوات الرئيسية في نظام إدارة البيئة والمياه
ضعف التنسيق
أبرزت المناقشات التي دارت في الورشة الأولى من برنامج "الحوكمة البيئية: دور الشباب في تعزيز المساءلة" أن التعقيد المذكور أعلاه للعمل المشترك بين المؤسسات يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين المؤسسات الحكومية المختلفة. تتطلب الإدارة الفعالة للمياه التعاون بين مختلف المؤسسات المشاركة في حوكمة المياه. على سبيل المثال، تُتّخذ القرارات المتعلقة بتخصيص المياه في العراق في المقام الأول من قبل وزارة الموارد المائية، والتي يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المحاصيل (التي تحددها وزارة الزراعة)، ومتطلبات استخراج النفط من المياه العذبة (وزارة النفط)، ومتطلبات مياه الشرب (وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة). ومع ذلك، فإن المؤسسات المعنية بإدارة المياه على مختلف مستويات الحكومة – الاتحادية والإقليمية والمحلية – تعمل بشكلٍ منفصلٍ عن البقية وغالباً ما تكون مترددة في تبادل البيانات والتعاون لتحقيق أهداف مشتركة. يتفاقم هذا التنافر بين الوكالات بسبب الدوافع والديناميات السياسية.[7]
تلعب السياسة دورًا في الانحرافات التي تشوب شكل التعاون في العمل المشترك بين المؤسسات. نتيجة للانقسام السياسي بعد عام 2003، أصبحت المناصب الرئيسية في وزارات حوكمة المياه المؤثرة مثل وزارة الموارد المائية ووزارة الزراعة تشغَل من قبل ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية المتنافسة تبعاً لما يعرف بنظام المحاصصة.[8] يتجلى هذا الخلاف السياسي وعقد الصفقات في إدارة المياه عندما يرفض المسؤولون الحكوميون المتحالفون مع الأحزاب المختلفة التعاون وتنسيق السياسات. وكما أشار أحد المشاركين من العاملين في الدوائر الحكومية، فإن النتيجة هي تضرر قطاع المياه: "عندما يشغل أتباع الأحزاب المتنافسة الوزارات في ظل نظام المحاصصة، تضعف احتمالية حدوث التنسيق، وهو ما يؤثر في النهاية على قطاع المياه".
البنى التحتية الضعيفة
شكّل دور الحكومة في بناء وصيانة البنية التحتية للمياه موضوعًا رئيسيًا للمناقشة خلال الورشة. تتطلب معالجة مشكلة تلوث المياه المستفحلة صيانة البنية التحتية للمياه في البلاد وتوسيعها وتحديثها، وخاصة منشآت معالجة المياه. ومع ذلك، فقد أدّى الإهمال المؤسسي وتخصيص التمويلات وفقاً لدوافع سياسية إلى تقويض هذه الجهود، إذ لا تزال مرافق معالجة المياه العادمةِ الباليةُ والمعيبةُ تسمح بتلوّث الأنهار الكبرى مثل نهر دجلة، مع أمثلةٍ من قبيل تصريف المياه العادمة القادمة من المنشآت الصحية مباشرةً إلى النهر بسبب خللٍ في المرافق وغياب البدائل.[9]يؤدي تدهور المعايير المؤسسية إلى تفاقم إهمال البنية التحتية للمياه. لقد فشلت الوزارات والمؤسسات المسؤولة عن إدارة وتنظيم المياه، بما في ذلك وزارة الاعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة ووزارة البيئة ووزارة التخطيط، في إعطاء الأولوية لصيانة البنية التحتية للمياه، وخاصة مرافق تنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي. ان الموقف السائد بين المسؤولين الحكوميين تجاه هذه القضية مثير للقلق، مع تركيزهم في المقام الأول على صياغة الوثائق الاستراتيجية وإهمال الحاجة الملحة لتحسين البنية التحتية.
ضعف الإنفاذ
تعيق الديناميات السياسية بشكل كبير جهود إنفاذ القوانين في مجال إدارة المياه، خاصة خلال فترات شحّة المياه الشديدة، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها المحافظات الكائنة عند نهاية الأنهار مثل ميسان والبصرة وذي قار. وقد أدى انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات في العراق إلى تصاعد التوترات الاجتماعية في هذه المناطق. وبينما تعالج السلطات انتهاكات استهلاك المياه عند أعالي الأنهار لضمان التوزيع العادل للمياه، فإنها تواجه عقبات هائلة متجذرة في التحالفات السياسية وشبكات المحسوبية. إن تأثير الدعم السياسي للمخالفين يعيق بشدة مبادرات إنفاذ القوانين، إذ تتكئ المشاريع الإنشائية والمزارعون والعشائر على الدعم السياسي، في مقاومتها لمحاولات الحد من التجاوز على استهلاك المياه وحفر الآبار، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم نقص المياه في عند نهايات الأنهار. وغالباً ما تتعزز هذه المقاومة من خلال أنظمة المحسوبية الراسخة، إذ تستغل الشخصيات المؤثّرة علاقاتها السياسية للتهرب من المساءلة عن أفعالها.[10] تخلق مثل هذه الديناميات حلقةً مفرغة يتحمل الأفراد والمجتمعات المهمشة فيها وطأة شحة المياه، في حين تأخذ المصالح القوية الأولوية لمكاسبها الاقتصادية والسياسية. علاوة على ذلك، فإن تسييس إدارة المياه يزيد من تعقيد جهود التنفيذ. غالبًا ما تكون عمليات صنع القرار المتعلقة بإجراءات إنفاذ المياه غارقة في الحسابات السياسية بدلاً من التقييمات الموضوعية للاستدامة البيئية وتأثيرها على الفئات المهمشة. ويؤدي هذا التسييس إلى انعدام الثقة بين أصحاب المصلحة ويقوض شرعية التدابير التنظيمية، مما يعزز مناخ الإفلات من العقاب لمرتكبي الانتهاكات. نتيجةً لذلك، تضعف قدرة السلطات المعنية على الإنفاذ، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع السيء أصلاً داخل المجتمعات الهشة.[11]
القيود المالية
إن التوسع في البنية التحتية للمياه واقتناء وصيانة تقنيات ومرافق المراقبة الحيوية يعوقه نقص التمويل. أعرب المشاركون في برنامج "الحوكمة البيئية: دور الشباب في تعزيز المساءلة" والشخصيات الحكومية في الورشة عن أسفهم لقلة مخصصات الميزانية المرصودة للوزارات الرئيسية المشاركة في إدارة المياه، بما في ذلك وزارة الموارد المائية ووزارة البيئة. وأعرب أحد المشاركين عن إحباطه، متسائلاً عن تخصيص ميزانية العراق الضخمة لأولوياتٍ لا علاقة لها بأزمة المياه في العراق: "أينما تسأل عن البيئة أو المياه، يجيبون بأنه ليس لدينا ميزانية". ونتيجة لهذه القيود المفروضة على الميزانية، تعطّلت محطات الرصد والمختبرات التابعة لوزارة البيئة، إذ تواجه الجهود المبذولة لإعادة بناء هذه المحطات، التي قامت شركة أجنبية بتركيبها في عام 2012 ولكنها توقفت عن العمل منذ عام 2017 بسبب مشاكل الصيانة، عقباتٍ مالية مستمرة. يؤدي تأخّر موافقة وزارة التخطيط إلى تفاقم هذه التحديات، مما يعيق محاولات وزارة البيئة لاستعادة الأداء الوظيفي. وبالمثل، فإن الخطط التي يعود تاريخها إلى عام 2008 لبناء محطات معالجة المياه العادمة في كربلاء لم تحصل بعد على الموافقة، مما يوضح عدم الكفاءة البيروقراطية في تخصيص الأموال لمشاريع البنية التحتية الحيوية. وحتى عندما تتم الموافقة على المشاريع، فإنها غالبا ما تظل غير منفّذة بسبب عدم كفاية مخصصات التمويل.
بشكل عام، فإن تخصيص الأموال الكبيرة والضرورية لمؤسسات إدارة المياه مثل وزارة البيئة ووزارة الموارد المائية ووزارة الزراعة لا يحتلّ الأولوية لدى الكيانات السياسية الرئيسية في العراق. على الرغم من أن النفقات المقدرة للاستراتيجيات الأساسية مثل "استراتيجية الموارد المائية والأرضية في العراق" تصل إلى 180 مليار دينار عراقي، إلا أن الميزانية السنوية لوزارة الموارد المائية بلغت ذروتها عند مليار دينار عراقي فقط في عام 2018. وسلّط مسؤول حكومي شارك في الورشة الضوء على العقبات السياسية التي تمنع زيادة التمويل لوزارة الموارد المائية، مشيراً إلى أن "هناك مشاكل سياسية حقيقية تمنع زيادة ميزانية وزارة الموارد المائية". باختصار، تعيق القيود المالية وتحديات الميزانية بشدة الجهود المبذولة لتحسين إدارة المياه في العراق، مما يعيق تطوير البنية التحتية والتقدم التكنولوجي ومبادرات مراقبة جودة المياه. ويتطلب التصدي لهذه التحديات إعطاء الأولوية لإدارة المياه في مخصصات الميزانية والتغلب على العقبات البيروقراطية لضمان التمويل الكافي للمشاريع والعمليات الأساسية.
دور الوزارات القطاعية في المفاوضات المتعلقة بالمياه العابرة للحدود
إن الخلل الموصوف أعلاه لا يعيق الحوكمة الداخلية فحسب، بل يضعِف أيضاً بشكل كبير قدرة العراق على التفاوض بفعالية مع جيرانه في دول المنبع. تكافح الحكومة العراقية منذ فترة طويلة لتأمين حصّةٍ أكبر من المياه من تركيا وإيران المجاورتين، حيث تنبع الأنهار الرئيسية. على مدى العقد الماضي، شهدت الأنهار الحيوية في العراق، بما في ذلك نهري دجلة والفرات، انخفاضاً غير مسبوق في مستويات المياه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ممارسات بناء السدود في إيران وتركيا. ويشكل هذا الانخفاض في مستويات المياه جوهر أزمة ندرة المياه في العراق، مما يؤدي إلى آثارٍ ضارة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لا سيما في المحافظات الجنوبية.
وعلى الرغم من جهودها، إلا إن محاولات بغداد للنّجاح في دبلوماسية المياه تعرقلت بسبب الافتقار إلى استراتيجية تفاوضٍ متماسكة. يرتبط هذا الفشل بشكل معقد بالتفكّك الداخلي لإدارة المياه داخل العراق. وسلّط مسؤول حكومي شارك في الورشة الضوء على عدم وجود جبهة موحّدة في مفاوضات السياسة، مما يعكس النقص الأوسع في التنسيق بين المؤسسات الحكومية المسؤولة عن إدارة المياه. تتمتع الوزارات الرئيسية مثل وزارة الموارد المائية ووزارة البيئة بنفوذ كبير على قطاع المياه ولكنها غالبًا ما تتخذ القرارات بشكل مستقل. ويتجلى هذا الخلل بشكل خاص في مفاوضات المياه مع تركيا، حيث تتولى وزارة الموارد المائية دوراً كبيراً لا يتناسب ومسؤوليتها الأساسية المتمثّلة في معالجة قضايا ندرة المياه على المستوى المحلي. فضلاً عن ذلك فإن تشكيلة الفريق العراقي المفاوض مع تركيا تفتقر إلى المؤهلات والخبرة اللازمة، الأمر الذي يزيد من عدم فاعليته. وغالباً ما يتم اختيار الأعضاء على أساس الانتماء السياسي بدلاً من الكفاءة، مما يؤدي إلى إدامة ثقافة المحسوبية والتفضيل السياسي.
نحو حوكمة بيئية معززة: الفرص والتحديات
اختتمت الورشة الأولى من البرنامج بمناقشة التحديات والفرص الرئيسية نحو تعزيز المساءلة في الإدارة البيئية. ويطرح المشهد السياسي العراقي، الذي تهيمن عليه الأحزاب المتنفّذة، تحدياتٍ كبيرة أمام مساءلة المسؤولين الحكوميين عن سوء الإدارة والفساد وعدم الكفاءة. يستفيد المسؤولون في مختلف المؤسسات من الانتماءات الحزبية القوية، في حين تتعرّض آليات المساءلة مثل مجلس النواب والمحاكم وهيئة النزاهة إلى التوهين عطفاً على التسييس والسيطرة الحزبية. وكثيراً ما تستخدم هذه الآليات من قبل الأحزاب والتيارات السياسية ضد بعضها البعض لتحقيق مكاسب سياسية. ويصبح فرض المساءلة داخل مؤسسات حوكمة المياه أمرًا صعبًا بسبب هذه الديناميات. نادراً ما يخضع كبار المسؤولين في الوزارات المعنية بإدارة المياه للمساءلة من قبل مجلس النواب العراقي، ويعزى ذلك جزئياً إلى غياب معارضة قوية. يؤدي غياب المساءلة هذا إلى الغموض واتخاذ القرارات عبطاً، وهو ما يتجلّى مثلاً في رفض وزارة الموارد المائية الكشف عن بيانات المياه المهمة، الأمر الذي يتعارض مع حق المواطن في الحصول على المعلومات.
ومع ذلك، هناك سبل أمام الناشطين الشباب ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز المساءلة في حوكمة المياه في العراق. ومن خلال الاستفادة من الأدوات القانونية والسياسية وأدوات جمع البيانات، يمكنهم الضغط على الأطراف الحكومية المسؤولة. ومن حسن الحظ أن بعض أصحاب المصلحة الحكوميين يوفرون فرصاً للمساءلة. على سبيل المثال، تتخذ اللجنة البرلمانية لشؤون الزراعة والمياه والأهوار خطوات نحو المساءلة من خلال عقد جلسات استماع للمسؤولين العاملين في إدارة المياه، تتضمن تمييزاً لدور المجتمع المدني في معالجة ندرة المياه والتلوث. يمكن أن تؤدي جلسات الاستماع هذه إلى إقالة المسؤولين، إذ تقدم المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني معلومات دقيقة، وقد أشار مسؤول حكومي خلال الورشة إلى أن: "اللجنة تستخدم بيانات من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لهذه الجلسات. نحن في الواقع نعامل العاملين في المنظمات غير الحكومية كمّدعين عامين في جلسات الاستماع نظرًا لأن المعلومات التي يقدمونها دقيقة". يوضح هذا المثال أنه على الرغم من استمرار التحديات، إلا أن الفرص موجودةٌ لتحسين المساءلة في حوكمة المياه في العراق من خلال تنسيق الجهود بين المجتمع المدني والأفراد ذوي العقلية الإصلاحية داخل المؤسسات الحكومية.