مقدمة
حيث كانت هناك لوحات إعلانية وملصقات تروج لعلامات تجارية للعطور ومواد التجميل، استيقظ سكان حي الكرادة ببغداد في 3 تشرين الثاني/نوفمبر ليجدوا أن مئات الإعلانات الانتخابية قد تم تركيبها بين عشية وضحاها.حدّقت فيهم وجوه رؤساء الوزراء السابقين وكبار السياسيين مع الشعارات التي تعد بكل شيء من خدمات أفضل إلى المزيد من الوظائف، بل أن البعض صرّح عن أمله في "ديمقراطية جديدة". تم لصق الإعلانات في كل مكان: على جدران المنازل، وأعمدة الإنارة، وواجهات المتاجر. خلال مقطع إعلامي حول تراجع الثقة الشعبية في المرشحين للانتخابات، قال السكان لأحد المراسلين إن "كلها وعود كاذبة" "، وهم يهزون رؤوسهم بسبب الانتهاك الصارخ لقواعد الحملات الانتخابية.[1]
بعد سنوات من التأخير، من المقرر أخيراً أن يجري العراق الاتحادي انتخابات مجالس المحافظات في 18 كانون الأول/ديسمبر. وتحدد هذه الانتخابات أعضاء جدد لمجالس المحافظات، الذين بدورهم سيختارون المحافظين ويشكلون الحكومات المحلية. لقد مرت أكثر من عشر سنوات منذ آخر مرة أجريت فيها هذه الانتخابات في 20 نيسان 2013. وقد تغير الكثير في السياسة الوطنية والمحلية منذ ذلك الحين، مما يجعل هذا التصويت مهماً من حيث تقييم ترتيب الأحزاب. في الواقع، تم إجراء ثلاث انتخابات برلمانية منذ التصويت الأخير للمحافظات. لقد تم حل المجالس في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وبالتالي فإن السياسة المحلية غير متناغمة تماماً مع المشهد الوطني. بعض الأحزاب لم يكن لها وجود في عام 2013، لكنها اكتسبت قوة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. في حين كانت أحزاب أخرى قوية في عام 2013، ولكن تم القضاء عليها تقريبًا في السنوات الفاصلة. بالإضافة إلى ذلك، تولى المحافظون السلطة دون أي إشراف تقريبًا منذ أواخر عام 2019، مما يجعل هذه الانتخابات ضرورية للغاية لإصلاح الحكم المحلي.
تولى المحافظون السلطة دون أي إشراف تقريبًا منذ أواخر عام 2019، مما يجعل هذه الانتخابات ضرورية للغاية لإصلاح الحكم المحلي.
في حين أن بعض منتقدي مجالس المحافظات، وخاصة أولئك الذين دعموا حركة تشرين الاحتجاجية في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ينظرون إليها على أنها طبقة غير ضرورية من البيروقراطية التي تزيد من الفساد وعدم كفاءة السياسة العراقية، إلا أن الحقيقة تظل في كونها مطلباً دستورياً ولا يوجد بديل لها تم الاتفاق عليه. لقد دفعت سلطة التحالف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة إلى تطبيق اللامركزية في الحكم العراقي في عام 2004، وبلغت ذروتها بالدعم الدولي لقانون عام 2008 الذي أنشأ حكومات المحافظات. وكان يُعتقد في ذلك الوقت أن هذه الهيئات السياسية ستشجع على المزيد من المساءلة المحلية عن تقديم الخدمات. ومن المخيب للآمال أن النخبة السياسية استولت على المجالس بنفس الطريقة التي استولت بها على الوزارات على المستوى الوطني. ونتيجة لذلك، أصيب المواطنون بخيبة أمل إزاء الأداء الضعيف للمجالس، وهو ما يعكس مشاعرهم تجاه الحكومة الوطنية. ولهذا السبب فإن الحماس ضئيل بشأن عودة المجالس، مع المخاوف من أن يؤدي كبر حجم الحكومات المحلية إلى المزيد من الفساد.
حتى قبل بضعة أشهر، لم يكن يبدو من المرجح أن تجرى الانتخابات المحلية في أي وقت قريب. ورغم أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وعد في برنامج حكومته بصياغة قانون جديد للانتخابات في غضون ثلاثة أشهر من توليه منصبه، إلا أن العديد من المراقبين توقعوا معارضة كبيرة من شأنها أن تؤخر إقرار القانون. جاءت نقطة التحول في 26 مارس/آذار 2023، عندما دفعت الأحزاب التي شكلت حكومة السوداني، عبر تصويت في وقت متأخر من الليل في البرلمان، إلى تشريع لتعديل قانون انتخابات 2018 وإلزام الحكومة بإجراء انتخابات مجالس المحافظات بحلول 20 ديسمبر/كانون الأول 2023 [2]. وأكد مجلس الوزراء ذلك في يونيو/حزيران بتحديد موعد 18 ديسمبر/كانون الأول.[3]
بالإضافة إلى تسريع الجدول الزمني للتصويت في المحافظات، تم تصميم قانون الانتخابات الجديد لتغيير ميزان القوى الوطني. يتضمن القانون العديد من التغييرات الرجعية التي تفضل الأحزاب الكبيرة والراسخة وتضعف المرشحين المستقلين.[4] وكان من أهم هذه التراجعات تحديد محافظات بأكملها كدائرة انتخابية واحدة وإنشاء نظام التمثيل النسبي باستخدام طريقة سانت ليغو والقاسم الانتخابي الأول 1.7 كما في المادة السابعة. ويظهر التحليل أن هذا سيؤدي على الأرجح إلى نتيجة مختلفة بشكل كبير عما كان سيحدث بموجب القواعد السابقة ويفيد في المقام الأول الإطار التنسيقي الشيعي .[5]إن حرمان الناخبين من القدرة على انتخاب ممثلين على مستوى المناطق المحلية يزيد من صعوبة محاسبة السياسيين ويثبط عزيمة المواطنين عن التصويت.
هناك 16,158,788 ناخباً مسجلاً في المحافظات الاتحادية الخمسة عشر التي ستشارك في هذه الدورة الانتخابية، وفقاً للسجل الانتخابي النهائي الذي تديره المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي الهيئة المكلفة بإجراء الانتخابات في العراق.[6] لقد فشل عدة ملايين من المواطنين البالغين في تحديث معلوماتهم البيومترية، ويرجع ذلك أساسًا إلى اللامبالاة، ولن يتمكنوا من التصويت. سيتم التصويت في 38.040 مركزًا. ويتنافس ما مجموعه 6022 مرشحاً، غالبيتهم العظمى تحت راية واحد من 68 حزباً وائتلافاً وتحالفاً انتخابياً وافقت عليها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. [7]هناك 275 مقعدًا متاحًا في مجالس المحافظات، مع عشرة مقاعد إضافية مخصصة للأقليات.
إن حرمان الناخبين من القدرة على انتخاب ممثلين على مستوى المناطق المحلية يزيد من صعوبة محاسبة السياسيين ويثبط عزيمة المواطنين عن التصويت.
تعتمد هذه الورقة على معلومات من خمسة عشر مقابلة شخصية وهاتفية مع مسؤولين من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومكتب رئيس الوزراء، والأحزاب السياسية، والمرشحين المستقلين، والناشطين. سعت الأسئلة الأساسية إلى فهم مستوى المشاركة في الانتخابات، اسباب تشكيل التحالفات أو تجنبها، واستراتيجية الحملة الانتخابية، والنتائج المحتملة. وتمت مراجعة موقع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للحصول على بيانات أولية عن المرشحين، وتسجيل الناخبين، والتحالفات الانتخابية. بالإضافة إلى التعليقات التي تم جمعها من المقابلات، تتم الإشارة إلى المقالات الإعلامية لتوفير مزيد من التفاصيل والمصادر.
التحديات التي تواجه الانتخابات
ان نجاح الانتخابات يعتمد على أداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وواجهت المفوضية الكثير من الانتقادات في الماضي. ابتليت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بقضايا تتعلق بقدراتها، وبالتدخل السياسي لدرجة أن اتهامات خطيرة بارتكاب مخالفات ومطالبات بإعادة فرز الأصوات ظهرت بعد انتخابات 2010 و2014 و2018 . وفي أعقاب احتجاجات أكتوبر 2019 واستقالة حكومة عبد المهدي، أدت الضغوط من أجل الإصلاح إلى إقرار قانون جديد يحكم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والذي أعطى مهمة تعيين مجلس المفوضين الى مجلس القضاء الأعلى، بدلاً من الأحزاب السياسية في البرلمان. وكان الهدف هو الحد من التدخل السياسي وأدى ذلك إلى أداء أفضل خلال انتخابات 2021.
عارضت العديد من الأحزاب الرئيسية الأنظمة الجديدة وعملت على إعادة تأكيد سيطرتها السياسية على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وإعادة العمل بقانون الانتخابات القديم. وصل الضغط السياسي على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى حد استقالة رئيس مجلس المفوضين في أبريل2023 [8]. وأدى ذلك أيضًا إلى تغييرات في كبار موظفي المفوضية قبل ثلاثة أشهر فقط من انتخابات المحافظات.[9] وناقشت الأحزاب السياسية مسألة استبدال مفوضي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لكنها فشلت في الاتفاق على قانون معدل. وهم يواجهون الآن موقفًا حيث تنتهي فترة خدمة مجلس المفوضين في 7 كانون الثاني 2024 ونظرًا لأن الأمر يستغرق عادةً حوالي شهر قبل اعتماد النتائج، فقد يتوقف عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في مرحلة حرجة ما لم يتم العثور على حل. وتشمل خياراتهم إما تمديد ولاية المجلس ثلاثة أشهر أو تأجيل الانتخابات.
موظف انتخابات عراقي يستخدم بصمته لفتح جهاز الإنتخاب وبدأ الانتخابات التشريعية العراقية في مدينة الصدر، بغداد، 10 تشرين الأول 2021. المصدر: روبترز/وسام العقيلي
إن مسألة موعد إجراء الانتخابات ليست قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وعلى الرغم من أن الحكومة حددت يوم 18 كانون الأول موعداً والاستعدادات مستمرة، إلا أن هناك مخاوف من أن تؤدي الأحداث الخارجية التي تؤثر على استقرار العراق أو التطورات السياسية (على سبيل المثال، الفشل في تمديد ولاية المجلس) إلى التأجيل. كما تطالب بعض الأحزاب التي تقاطع الانتخابات – وحتى بعض الأحزاب المشاركة – بتأجيلها.[10] ووفقاً لاثنين من كبار المسؤولين في الأحزاب التي تشكل جزءاً من الإطار التنسيقي، فإن هناك رغبة لدى بعض السياسيين لتأجيل الانتخابات حتى تتم انتخابات المحافظات والانتخابات والوطنية في نفس الوقت.[11] وهذا من شأنه مباغتة الصدريين والسوداني، ويمنح الوقت لتعيين مفوضين جدد للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ترشحهم الأحزاب، مع الوفاء بوعد إجراء انتخابات مبكرة. هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة تستحق النظر فيها: الأول، وهو الأرجح، أن تجرى الانتخابات في 18 كانون الأول، حيث يبدو رئيس الوزراء مصمماً على الالتزام بالموعد الرسمي ولا يبدو أن هناك أي عقبات فنية من شأنها أن تفرض التأجيل؛ ثانياً، تأجيل الانتخابات إلى شهر مارس/آذار؛ والثالث، وهو الأقل احتمالاً، تأجيل الانتخابات إلى أبريل أو مايو، وإجراؤها بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية.
حتى لو أجريت الانتخابات بشكل سليم وناجح، فستكون هناك تساؤلات حول شرعيتها إذا تراجعت نسبة إقبال الناخبين مرة أخرى، كما هو متوقع.
وبغض النظر عن موعد إجراء الانتخابات فعليا، هناك مخاوف جدية بشأن ما إذا كانت ستكون حرة ونزيهة. وقد شهدت الدورات الماضية ادعاءات خطيرة بحدوث مخالفات، في حين أن حقيقة أن بعض الأحزاب لديها أجنحة مسلحة أو تسيطر بحكم الأمر الواقع على الأراضي تخلق منافسة غير عادلة. وفي بعض المناطق، قد تؤدي الانتخابات إلى تفاقم التوترات العرقية والطائفية إذا تم الطعن في نتائجها. تعتبر محافظتا ديالى ونينوى من النقاط الساخنة التي يجب الانتباه إليها، إلا أن كركوك، حيث لم يتم إجراء الانتخابات المحلية منذ عام 2005، يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة .[12] وكركوك هي محافظة غنية بالطاقة ولها تاريخ من التوترات بين مجتمعاتها العربية والكردية والتركمانية. ولم تخجل الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات من استغلال المظالم العرقية والطائفية لتحقيق أهدافها الخاصة. وإلى جانب استبعاد 197 مرشحاً في جميع أنحاء البلاد بسبب علاقاتهم مع نظام البعث السابق، قد يُنظر إلى الانتخابات على أنها مسيسة بشكل مفرط وتستخدم كأداة لتصفية حسابات شخصية، وتزييف الخريطة السياسية، ووضع الأساس للعنف الطائفي.[13]
وحتى لو أجريت الانتخابات بشكل سليم وناجح، فستكون هناك تساؤلات حول شرعيتها إذا تراجعت نسبة إقبال الناخبين مرة أخرى، كما هو متوقع.[14] ومن المتوقع أن أقل من 40% من الناخبين المسجلين سيدلون بأصواتهم، ولكن من المرجح أن تكون المشاركة أقرب إلى 25% من حيث جميع الناخبين المؤهلين. تنبع لامبالاة الناخبين من السخط على السياسة بشكل عام. وتظهر استطلاعات الرأي أن الشباب على وجه الخصوص لا يعتقدون أن الانتخابات لها تأثير، ولا ينسجمون مع أي حزب أو مرشح.[15]
وتمتد مسألة التمثيل إلى قرار التيار الصدري بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات. ونتيجة لذلك، فإن قوة رئيسية في السياسة العراقية لن تشارك، وربما لن يتم تمثيل الملايين من الناس. ويخوض بعض السياسيين الذين يتعاطفون مع التيار الصدري الانتخابات كمستقلين في بعض المحافظات، لكنهم حريصون على عدم المطالبة بالتأييد الرسمي، ومن غير المرجح أن يفوزوا بعدد كبير من المقاعد. وهذا له تداعيات على كيفية حكم المحافظات التي حصلت على أصوات صدرية كبيرة في الانتخابات البرلمانية، مثل ميسان، خاصة وأن المحافظين الحاليين هم من الصدريين. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن كل من التحالف الوطني الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسبق إياد علاوي وحزب حركة تشرين الاحتجاجية امتداد أنهما سيقاطعان الانتخابات لأنهما لا يدعمان إعادة تشكيل مجالس المحافظات .[16]ومن شأن هذه المقاطعات مجتمعة أن تشوه الخريطة السياسية وتزيد من المخاوف بشأن شرعية الانتخابات والحكومة. ولن يكون مفاجئاً أن تندلع الاحتجاجات التي نظمتها الأحزاب المقاطعة بعد وقت قصير من إعلان النتائج.
الأحزاب والتحالفات الكبرى
هناك اتجاهان مترابطان ساهما في تشكيل النهج الذي اتبعته النخبة السياسية في الفترة التي سبقت الانتخابات. أولاً، هناك ديناميكية طويلة المدى حيث تتحول التعبئة السياسية بعيداً عن الخطوط الطائفية البحتة. ورغم أن هذا التغيير لم يتطور بعد بشكل كامل، إلا أنه قد يؤدي إلى ظهور أحزاب وطنية في المستقبل. وفي الانتخابات السابقة، لم يتمكن أي حزب من القيام بحملة انتخابية في كل محافظة، لأن دوائره الانتخابية كانت مبنية على هوية عرقية وطائفية محددة. أدى هذا إلى تقييد الأماكن التي يمكنهم التحرك فيها بنجاح إلى المناطق التي كانت مجموعتهم الأساسية بارزة فيها. وفي عام 2017 تقريبًا، بدأ هذا التحول. وبدأت التحالفات بين الأحزاب في الظهور، والتي يمكن أن تتنافس في مجالات مختلفة باستخدام شركاء محليين بدلاً من النهج على المستوى الوطني. وبهذه الطريقة، على سبيل المثال، دخلت الأحزاب الإسلامية الشيعية، التي عانت في السابق للحصول على الأصوات في نينوى أو الأنبار، في شراكة مع سياسيين يتمتعون بشعبية محلية. وشكلوا تحالفات تحت أسماء جديدة دون إلغاء الهوية العرقية والطائفية للأحزاب المكونة. إنها تسوية، لكنها تمثل نضجا سياسيا. وفي الانتخابات المحلية المقبلة، تستخدم الأحزاب الرئيسية هذا التكتيك أكثر من أي وقت مضى.
أما الديناميكية الثانية على المدى القصير فهي ناجمة عن نجاح بعض الأحزاب خلال الانتخابات البرلمانية لعام. 2021 وتمكنت الأحزاب الجديدة ذات التركيز المحلي والتي تنافست في عدد قليل من الدوائر الانتخابية من الفوز بمقاعد ضد الأحزاب التي كانت أكثر رسوخاً، لكنها واجهت انتقادات لكونها جزءاً من النخبة التي فشلت في حكم العراق بشكل صحيح. أدركت هذه الأحزاب القائمة أن تغيير الصورة الكاملة لن ينجح، ولذلك لجأت إلى إنشاء تحالفات محددة في بعض المحافظات. وبهذه الطريقة، يمكنهم التنافس تحت أسماء مختلفة في آن واحد في محافظات مختلفة. وقد أدى هذان الاتجاهان مجتمعين إلى دفع أحزاب النخبة إلى اختيار نهج متعدد الطبقات من أجل تعظيم أصواتها في كل محافظة محتملة، حتى تلك التي لم تتمكن تقليديا من المنافسة فيها.
وهذا يعني أن التحالفات الفردية التي تشكل الإطار التنسيقي سوف تتنافس ضد بعضها البعض في بغداد والمحافظات الجنوبية التسع، ولكنها سوف تنخرط في تعاون أكبر في المحافظات الخمس الأخرى. وذلك لأن الإطار التنسيقي يتوقع الفوز بالأغلبية العظمى من المقاعد في مناطقه الأصلية ومع قلة المنافسة فمن المنطقي أن تتنافس مكونات الإطار التنسيقي داخليًا. وأبرز هذه التحالفات هي دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، ونسخة من تحالف فتح تعرف باسم نبني بقيادة هادي العامري، وقوى الدولة بقيادة عمار الحكيم ورئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي، والاساس العراقي بقيادة النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي .ومن المرجح أيضاً أن يفوز حلفاء آخرون للاطار التنسيقي بمقاعد، بما في ذلك حزب تصميم الذي يقوده محافظ البصرة أسعد العيداني، وإبداع كربلاء التي يقودها محافظ كربلاء نصيف الخطابي .
وفي كركوك وصلاح الدين، سيعمل الإطار التنسيقي معًا تحت راية واحدة تسمى" الإطار الوطني". في ثلاث محافظات أخرى، الوضع ليس واضحا تماما، ولكن حتى الآن: في ديالى، هناك تحالفان من الإطار التنسيقي (ديالتنا واستحقاق ديالى)؛ وفي الأنبار، تم تأكيد وجود تحالف واحد مع الاطار التنسيقي (العقد الوطني)، ومن المحتمل أن يتنافس اثنان آخران (نبني وقوى الدولة)؛ وفي نينوى، لدى الإطار التنسيقي تحالفان مؤكدان (الحدباء الوطني والعقد الوطني) وربما آخر ) قوى الدولة) [17].وفي هذه المحافظات الخمس، سيقدم الإطار التنسيقي مرشحين محليين من العرب السنة أو من خلفيات أخرى بهدف الفوز بثلاثة مقاعد على الأقل في كل محافظة .[18] وفي حين أن الإطار التنسيقي قد لا يحصل على سيطرة الأغلبية في أي من هذه مجالس المحافظات الخمسة، إلا أنها ستحقق سلطة سياسية محلية رسمية كبيرة إذا نجح هذا التكتيك.
من بين مجالس المحافظات الخمسة عشر المتاحة، من المرجح جداً أن تسيطر على المحافظات الجنوبية التسع وبغداد أحزاب الإطار التنسيقي أو تلك المتحالفة معها.
أما بالنسبة للأحزاب التي تدعي تمثيل السنة، فإن إقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي مؤخراً سيكون لها تأثير كبير. أولاً، سيؤثر ذلك سلباً على جاذبية حزب تقدم، وخاصة خارج محافظة الأنبار. ثانياً، إذا لم يحتفظ تقدم بمنصب رئيس البرلمان، فإن بعض السياسيين سيحولون ولاءهم إلى أي حزب أو تحالف يحصل على المنصب، مما يزيد من إضعاف الحلبوسي. ثالثاً، قد تؤدي تداعيات إقالة الحلبوسي إلى تراجع الحافز لدى الناخبين للمشاركة في الانتخابات. بما في ذلك تقدم، هناك ثلاثة تحالفات رئيسية تتنافس على التمثيل السني، معظمها في بغداد والمحافظات الشمالية الخمس. وينصب تركيز تقدم على بغداد والأنبار، حيث المنافسة على القاعدة السنية أقل حدة بالنسبة للحلبوسي. كما تتحالف مع السيادة بزعامة خميس الخنجر، والقيادة بزعامة وزير التخطيط محمد تميم، وقمم بزعامة الوزير السابق خالد بتال. أما الحزب السني الرئيسي الثاني فهو حزب العزم بقيادة النائب مثنى السامرائي، الذي كان المعارض الرئيسي لحزب تقدم. والثالث هو الحسم، الذي يقوده وزير الدفاع ثابت العباسي ويضم سياسيين مخضرمين آخرين، بمن فيهم رئيس البرلمان الاسبق أسامة النجيفي. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة تحالفات تعمل فقط في محافظة معينة، مثل الأنبار المتحد والتحالف العربي في كركوك . ويمكن لهذه الأحزاب المحلية أن تحصل على مقعد أو مقعدين، وقد تتحالف مع أحد التحالفات الرئيسية الثلاثة بعد الانتخابات.
ستقيس هذه الانتخابات مدى التقدم الذي أحرزه معارضو الحلبوسي منذ عام 2021 . وإذا تمكنوا من الحصول على التحالفات الأصغر في الأنبار وكركوك إلى جانبهم، فإن ذلك سيمنح معارضي تقدم المزيد من القدرة على المساومة مع الإطار التنسيقي ويوفر لهم منصة أفضل للتنافس ضد الحلبوسي في الانتخابات الوطنية المقبلة. وتمثل إقالة الحلبوسي - التي من غير المرجح أن يكون توقيتها صدفة - خطوة كبيرة نحو إعادة توازن السلطة بين النخبة السياسية السنية، وقد تؤدي نتائج الانتخابات إلى ترسيخ هذا التحول. بالإضافة إلى ذلك، ستؤثر النتائج على الديناميكية المحلية في كركوك. ومن المرجح أن تتحالف التحالفات العربية السنية هناك مع الأحزاب التركمانية لتوفير أغلبية قوية في مواجهة أعضاء مجلس المحافظة من الاكراد.
بالنسبة للأحزاب الكردية، تعتبر انتخابات المحافظات الاتحادية أقل أولوية من انتخابات الاقليم المقرر إجراؤها في فبراير/شباط 2024 . وذلك لأن الأحزاب الكردية لن تتنافس في المناطق ذات الأغلبية الكردية، بل في المناطق المختلطة مثل نينوى وكركوك فقط. ومع ذلك، ستكون الانتخابات مهمة بالنسبة للتنافس بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وسيُظهر أيضًا ما إذا كان الحزب الديمقراطي الكردستاني يستطيع ممارسة سيطرة كبيرة في نينوى وكركوك على وجه الخصوص. وسيؤدي الفوز بعدد كبير من المقاعد إلى احتمال زيادة تواجد قوات الأمن الكردية في المناطق المتنازع عليها لأن المجالس تختار المناصب العليا على مستوى المحافظة، بما في ذلك المحافظ ونائب المحافظ. ويمكن أن تؤثر النتائج في نينوى أيضًا على السيطرة على مناطق رئيسية مثل سنجار. وفي كركوك، يريد الحزب الديمقراطي الكردستاني تعزيز فكرة أن الاتحاد الوطني الكردستاني في تراجع من خلال القضاء عليه. ومن ناحية أخرى، يأمل الاتحاد الوطني الكردستاني في الحصول على مقاعد كافية لتشجيع الإطار التنسيقي على الموافقة على اختيار مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني لمنصب المحافظ. علاوة على ذلك، فإن انتخابات مجالس المحافظات في المناطق المتنازع عليها تشكل ساحة اختبار للانتخابات الإقليم المقبلة، لأنها ستخلق زخما لهذا الطرف أو ذاك. بشكل عام، يتنافس الحزب الديمقراطي الكردستاني كحزب واحد، لكنه في كركوك يتحالف مع تحالف معالم كركوك، وهو تجمع إسلامي يضم الاتحاد الإسلامي الكردستاني ومجموعة العدالة الكردستانية. ويتنافس الاتحاد الوطني الكردستاني في الغالب كحزب واحد أيضًا، لكنه يتنافس مع الحزب الشيوعي الكردستاني في كركوك، كما هو الحال في تحالف كركوك قوتنا و إراداتنا، وفي نينوى تحت تحالف اتحاد أهل نينوى مع حزب الرفاء الوطني . ويخوض حزب الجيل الجديد الانتخابات كحزب واحد وهو المعارضة الرئيسية للحزبين الكرديين الكبيرين. ولم تترشح حركة كوران على الإطلاق، مما يعكس تراجعها السريع كقوة سياسية.
الأحزاب الناشئة
لقد فشلت الأحزاب الجديدة والناشئة، أو غير المؤسسة/غير النخبوية، في تشكيل معارضة متماسكة خارج الحكومة على مدى السنوات القليلة الماضية. ونتيجة لذلك، فإن جاذبيتها للناخبين محدودة. ومع ذلك، فإنهم سوف يتنافسون في هذه الانتخابات على أمل الفوز بمقاعد في مجالس المحافظات، وأن يكونوا في النهاية في وضع يسمح لهم بالتأثير بشكل مباشر على القضايا المحلية. وأكبر تحالف نشأ هو تحالف قيم المدني، الذي يتنافس في جميع المحافظات الخمسة عشر. ويتكون من عشرة أحزاب بضمنها الحزب الشيوعي العراقي، البيت الوطني، الحركة المدنية، نازل اخذ حقي، والتيار الاجتماعي. ويشارك في رئاستها النائب المستقل سجاد سالم، ويمثل حركة تشرين الاحتجاجية. وتتضمن استراتيجيتها كسب الناخبين الشباب وأولئك المطالبين بالتغيير الديمقراطي. ولا يوجد لدى التحالف منافس قوي وقد يتمكن من تنصيب نفسه كمعارضة رئيسية للأحزاب الحاكمة، وربما يفوز ببعض المقاعد. ومن الممكن أيضاً أن تفوز أحزاب جديدة أخرى، مثل واثقون في النجف، وتجمع الفيحاء في البصرة، وجمهور المثنى، بمقاعد في محافظاتهم.
موظفي المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات يتفحصون صناديق إنتخابية في المخزن المخصص لها في النجف، 15 أيار 2018. المصدر: رويترز/ علاء المرجاني
ولا تزال هناك شكوك حول ما إذا كانت هذه الأحزاب الناشئة ستكون قادرة على تحقيق أي مكاسب كبيرة في الانتخابات وما إذا كان بإمكانها التأثير على العملية السياسية بطريقة مجدية. إن التفاؤل بعد عام 2021 بأن مجموعة كبيرة من المستقلين والأحزاب الجديدة والإصلاحيين والتحالفات الناشئة يمكن أن تشكل معارضة متماسكة وذات مصداقية، انتهى بقبول مرير بأن هذه القوى ليست ناضجة بما فيه الكفاية بعد. والحقيقة أنهم قد لا يحصلون على فرصة أخرى مثل 2021، ومع تغيير قانون الانتخابات فمن المرجح أن يفقدوا معظم نفوذهم. ووفقاً لمسؤول كبير في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن الدروس التي تعلمتها النخبة السياسية الراسخة، والتي بدأت بالتغيير في قانون الانتخابات، ستشهد خسارة الأحزاب الناشئة لمعظم مقاعدها البرلمانية وفوزها بعدد قليل جداً من مقاعدها في انتخابات المحافظات.[19] وحتى لو تغلبت هذه الأحزاب على التحديات التي يفرضها القانون، فمن غير المرجح أن تقوم بعمل جيد بما فيه الكفاية لتغيير الوضع الراهن نظرا لمواردها المحدودة وتنظيمها الضعيف، وانخفاض نسبة المشاركة المتوقعة، ونخبة سياسية مصممة على استخدام جميع الأدوات لمنع نجاحها. وربما تكون هذه الانتخابات هي الفرصة الأخيرة للأحزاب التي ظهرت بعد احتجاجات تشرين لترك بصمتها. ووفقاً لأحد كبار قادة تحالف قيم : "نحن نعلم أننا لا نزال نتمتع بالمصداقية بين أجزاء كبيرة من المجتمع. نأمل أن تعكس نتائج الانتخابات المحلية ذلك، وأن يكون التأثير أكثر أهمية من الانتخابات الوطنية لأننا سنكون قادرين على الحصول على أعضاء في مجالس المحافظات والتأثير بشكل مباشر على كيفية تقديم الخدمات في المناطق المحلية".[20] وفي حين لم يوافق هذا السياسي على أنها كانت الفرصة الأخيرة لأحزاب تشرين، فإن الواقع هو أن الأداء الضعيف في هذه الانتخابات من شأنه أن يقلل بشكل كبير من فرصهم في الحصول على أي نائب في الانتخابات الوطنية المقبلة.
ومن الصعب التوصل إلى توقعات دقيقة فيما يتعلق بالنتائج، ولكن التوقعات تشير إلى أن الأحزاب والائتلافات الكبرى سوف تحتفظ بالأولوية. وهذا يعني أنه من بين مجالس المحافظات الخمسة عشر المتاحة، من المرجح جداً أن تسيطر على المحافظات الجنوبية التسع وبغداد أحزاب الإطار التنسيقي أو تلك المتحالفة معها. وسيتم تقسيم الأنبار وصلاح الدين بين الحلبوسي ومنافسيه، رغم أن تقدم لن يفوز بعدد المقاعد الذي يأملونه بسبب إقالة الحلبوسي من منصب رئيس البرلمان. وستكون ديالى وكركوك ونينوى محل نزاع شديد بين العديد من التحالفات الكبيرة. وفي كركوك، سيحاول كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الفوز بمقاعد كافية للسيطرة على منصب المحافظ، أو على الأقل منع الآخر من القيام بذلك. وهذا يمكن أن يوفر للأحزاب العربية السنية والتركمانية فرصة للتحالف مع أي منهما من أجل اقتراح مرشح توافقي. وفي نينوى، قد يكون الحزب الديمقراطي الكردستاني قادراً على زيادة مقاعده في مجلس المحافظة من أجل الاحتفاظ بمنصب نائب المحافظ أو حتى للضغط من أجل منصب المحافظ. قد يؤدي ذلك إلى قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني بممارسة المزيد من السيطرة على سنجار، ولكن إذا فشل ذلك، ستكون هناك جهود منسقة من قبل الإطار التنسيقي وحلفائه لإضعاف نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى من خلال إجراء تغييرات كبيرة على المناصب الأمنية والإدارية حيث يتمتع الحزب الديمقراطي الكردستاني بسيطرة اسمية. ولن يتمكن المستقلون، أو الأحزاب الجديدة والناشئة، أو من هم خارج الحكومة، في أي محافظة من الفوز بأغلبية المقاعد. ونظراً لمقاطعة الصدريين، وخسارة الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان، وزيادة الضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني من بغداد، يبدو أن هناك عملية إعادة توازن جارية داخل الكتل العرقية الطائفية الرئيسية: الاطار التنسيقي في مواجهة الصدريين، والحلبوسي في مواجهة منافسيه، والاتحاد الوطني الكردستاني مقابل الحزب الديمقراطي الكردستاني. قد تعكس النتائج هذا التحول في السلطة، لكن من غير المرجح أن تكون نتيجة واضحة ودائمة.
الآثار المترتبة على السياسة الوطنية
إن العامل الأكثر وضوحاً في الانتخابات البرلمانية المقبلة هو مدى نجاح أداء التحالفات والأحزاب السياسية الكبرى في المحافظات، سواء ضد بعضها البعض أو داخلياً داخل كل كتلة عرقية طائفية. سيساعد ذلك في تحديد الإستراتيجية وقوائم المرشحين للانتخابات المقبلة. الأحزاب والمرشحون الذين يتفوقون في الأداء سوف يتفاوضون من موقع أقوى. بالنسبة للإطار التنسيقي، ستكون المنافسة في الغالب داخلية. ويعني غياب الصدريين عدم وجود منافس قوي في المناطق ذات الأغلبية الشيعية. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى مدى نجاح أحزاب الإطار التنسيقي في المحافظات الأخرى، لا سيما حيث يوجد لديها مرشحون غير شيعة كما هو الحال في نينوى. لكن بشكل عام فإن مهمتهم أسهل من مهمة التحالفات الكبرى الأخرى. والسؤال المطروح هو ما إذا كان الإطار التنسيقي قادر على اداء جيد بما فيه الكفاية للإشارة إلى أنه سيهزم التيار الصدري بشكل مقنع في الانتخابات البرلمانية المقبلة. خسر الإطار التنسيقي أمام التيار الصدري في الدورة الأخيرة ولم تشكل في البداية الكتلة الأكبر في البرلمان. ومع غياب التيار الصدري، فإن الأداء الضعيف في هذه الانتخابات سيكون كارثياً بالنسبة للإطار التنسيقي وسيعزز الاعتقاد بأنهم غير قادرين على وضع الاستراتيجيات والتعاون داخلياً خلال الانتخابات. ومن الممكن أن يشجع الصدريين على العودة إلى المجال السياسي، وهو عامل بالغ الأهمية.
وستكون السيطرة على مجالس المحافظات ومنصب المحافظ مهمة بالنسبة للانتخابات البرلمانية لأنها تسمح لشاغلي المناصب بتوجيه المحسوبية والتأثير على الناخبين. كل محافظ هو في الواقع رئيس وزراء محافظته، وفي الأسفل، يتولى القائم مقامون مسؤولية اقضيتهم ومناطقهم المحلية. وتتنافس الأحزاب السياسية على هذه المناصب لأنها تتيح لها السيطرة على الميزانيات، والتوظيف في القطاع العام، والتعاقدات، والسيطرة على الأمن المحلي.
أحد الأشخاص الذين سيراقبون النتائج بشكل مكثف هو رئيس الوزراء السوداني، الذي لن يشارك حزبه بعد الاتفاق مع الإطار التنسيقي.[21] ومن المؤكد أنه سيتنافس في الانتخابات البرلمانية، وستساعده نتائج استطلاعات المحافظات في تحديد الاستراتيجيات التي ستخدمه بشكل أفضل في الدورة المقبلة. لقد راهن بحياته السياسية بأكملها على تحقيق الاستقرار في العراق بعد أحداث 2019-2022 . إن إجراء انتخابات المحافظات بنجاح مع تداعيات سلبية محدودة يمثل أولوية. ويهدف السوداني إلى الوصول إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة مع تعزيز سمعته واستعداد حلفائه لمنحه فترة ولاية أخرى. ولذلك فهو حريص على الحفاظ على الاستقرار بعد الانتخابات والتعلم منها لتحقيق طموحاته الخاصة .[22]
إذا بدأت الحكومات المحلية في تقديم المزيد للسكان واستعادة بعض الثقة، فسوف يُنظر إلى مجالس المحافظات على أنها ناجحة. وإلا فإن الانتخابات المحلية سوف تعتبر غير ضرورية وأداة لتمكين الفساد.
في أعقاب انسحاب التيار الصدري من البرلمان عام 2022 وتشكيل حكومة السوداني، كان هناك اعتقاد عام بين النخبة السياسية بأنه ستكون هناك انتخابات برلمانية مبكرة. وقد تقلصت التوقعات إلى حد ما. وفي الوقت الحاضر، ينص قانون الانتخابات المعدل على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية المقبلة قبل 45 يوما على الأقل من نهاية الفصل التشريعي الحالي، أي بحلول 25 تشرين الثاني/نوفمبر . 2025ومع ذلك، في حال تأجيل انتخابات مجالس المحافظات، فإن احتمالات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ستزداد.
إن إجراء انتخابات محلية ناجحة سيكون أيضًا بمثابة معلم مهم للنظام السياسي الحالي ويثبت استمراريته. ومع ذلك، فإن أي مشاكل كبيرة في الانتخابات يمكن أن تتسبب في تداعيات خطيرة وتؤثر على الانتخابات البرلمانية المقبلة. وتتراوح هذه المشاكل بين مخالفات التصويت والاحتجاجات العنيفة التي تتحدى النتائج والتأخير في انتخاب المحافظين. هناك عدد كبير من المقاعد والسلطات السياسية متاحة للاستيلاء عليها في جميع أنحاء العراق في فترة زمنية قصيرة - بما في ذلك انتخابات إقليم كردستان في عام 2024 والانتخابات البرلمانية الوطنية المقبلة في عام 2025 - وانتخابات المحافظات لعام 2023 هي بداية هذه الفترة.
خاتمة
وسيكون تأثير انتخابات المحافظات هو تحديد الترتيب السياسي في كل محافظة. وهذه في حد ذاتها مسألة مهمة لبناء التحالفات قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أنها حاسمة للسماح بتطبيق المحاصصة ورعاية الحزب على مناصب وموارد الحكومة المحلية. واستناداً إلى أدائه الانتخابي، سيطالب كل حزب بهذه الموارد، التي يؤدي الوصول إليها إلى زيادة إيرادات الحزب وعضويته وشبكاته. وستكون المعركة على منصب المحافظ هي النتيجة الأكثر أهمية لانتخابات المحافظات. وستكون المنافسة شرسة في المحافظات الغنية بالموارد مثل البصرة وكركوك.
وتظل الأسئلة كثيرة: هل ستجرى الانتخابات في موعدها؟ هل ستنخفض نسبة المشاركة؟ هل ستكون النتائج حرة ونزيهة؟ فهل سيعكسون بدقة خريطة العراق السياسية من دون الصدريين؟ ومع ذلك، إذا أجريت انتخابات المحافظات بنجاح، فإنها ستطيل فترة الاستقرار النسبي في العراق وتمنح حكومة السوداني الثقة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة أو استكمال فترة ولايتها بالكامل. في الوقت الحالي، من المرجح أن تقتصر تداعيات إقالة الحلبوسي من منصب رئيس البرلمان على حظوظ حزب التقدم، نظراً إلى أنهم لا يدعون إلى مقاطعة الانتخابات أو تأجيلها حتى كتابة هذه السطور، ولكن قد تكون هناك تداعيات كبيرة إذا تغير موقفهم.
ان انتخابات المحافظات مهمة وضرورة دستورية. من الناحية النظرية، فإنها تجعل الحكومة أكثر عرضة للمساءلة وتعزز العملية الديمقراطية، ولكن من الناحية العملية، عانى العراق من الطبقة الإضافية من سيطرة الأحزاب السياسية النخبوية على الإدارة المحلية. وإذا بدأت الحكومات المحلية في تقديم المزيد للسكان واستعادة بعض الثقة، فسوف يُنظر إلى مجالس المحافظات على أنها ناجحة. وإلا فإن الانتخابات المحلية سوف تعتبر غير ضرورية وأداة لتمكين الفساد. وستشكل هذه التصورات أيضًا نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المستقبلية وتؤثر على شرعية الدولة العراقية ككل.