تداعيات حكم غرفة التجارة الدولية على قطاع النفط في العراق وإقليم كوردستان

Font size:
Print

مقدمة

في 23 آذار/مارس[1]، ادلت غرفة التجارة الدولية بحكمها في قضية تحكيم استمرّت تسع سنوات بين العراق وتركيا بشأن صادرات النفط المستقلة من إقليم كوردستان عبر خط أنابيب العراق-تركيا. جاء قرار المحكمة في صالح بغداد وأنهى فعلياً تطلعات حكومة إقليم كوردستان في خلق اقتصاد مكتفٍ ذاتياً لا يعتمد على حكومة المركز. لقد  جُرّدت أربيل من الناحية العملية، من قدرتها على فرض الواقع من خلال التسويق المستقل لنفطها. ومع ذلك، فقد تعاملت الحكومة الإتحادية مع الأمر بحذر ولم تغالِ في اغتنام رياحها.

أبدى رئيس الوزراء محمد السوداني استعداده لتقديم تنازلات بعد صدور حكم غرفة التجارة الدولية بدافع الرغبة في الحصول على دعمٍ برلماني من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني هو جزء من التحالف الهش

المسمى تحالف إدارة الدولة، والذي شكّل الحكومة الحالية في تشرين الأول/أكتوبر 2022. لقد ساعد نهج السوداني العملي في تسريع التقارب السياسي بين بغداد وأربيل، وخفف من آثار الحكم السياسية والاقتصادية المباشرة على إقليم كوردستان. في بادئ الأمر، كان هناك اتفاق حول الموازنة بين بغداد وأربيل في منتصف آذار/مارس ومن ثم توصلت الحكومتان -بعد سلسلة من المحادثات- إلى اتفاقٍ مؤقتٍ في أوائل نيسان/أبريل لاستئناف صادرات النفط من ميناء جيهان. هذه الترتيبات السياسية لا تعدو كونها أمراً براغماتياً، لكن العمل الحقيقي لمعالجة القضايا الخلافية مثل حوكمة القطاع والعقود الحالية للإقليم وتقاسم الإيرادات، سيأتي عندما يقرر الطرفان وضع قانون النفط والغاز الاتحادي.

ومع أنَّ الاتفاقات التي جرت بين بغداد وأربيل بعد حكم غرفة التجارة الدولية تبدو واعدة، إلا أنها ذات طابع سياسي وتخضع للديناميات السياسية المتغيرة على الصعيدين المحلي والإقليمي. فعلى الصعيد المحلي، تضخ الانقسامات المتزايدة بين الأحزاب الكوردية الرئيسية – الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني – حالة من عدم الثقة في أي مفاوضات تجرى مع بغداد. علاوةً على ذلك هناك أيضاً احتمال معارضة أطرافٍ محافظة داخل كتلة الإطار التنسيقي الشيعي الذي ينتمي إليه السوداني من الذين لا يوافقون على نهجه التصالحي تجاه إقليم كوردستان. على الصعيد الإقليمي، تُمثّل سياسات تركيا تجاه كل من بغداد وأربيل أمراً يصعب التنبؤ به، كما يتضح من رفض أنقرة المستمر لاستئناف الصادرات الشمالية على الرغم من طلب بغداد. قد يؤدي الفشل في معالجة هذه التحديات على المستوى السياسي إلى إعاقة التقارب وتفاقم المشاكل الاقتصادية في إقليم كوردستان في المستقبل.

مع التأكيد على أن عدم اليقين ما زال يشوب الكثير حول هذا الموضوع، يقدم هذا الموجز السياسياتي نظرةً عامة على الآثار السياسية والاقتصادية الرئيسية التي يسببها حكم غرفة التجارة الدولية على بغداد وأربيل وأنقرة، إذ تنصّ الفكرة الرئيسية للموجز على وجوب إعطاء حكومة إقليم كوردستان والحكومة الإتحادية الأولوية لسن قانون النفط والغاز الإتحادي لحل الخلافات المتعلقة بقطاع النفط.

حكومة الإقليم تتمسك بموقفها لكن المشاكل ما زالت ماثلة

 تمكنت أربيل من الحصول على شروط مؤاتية بموجب الاتفاق المؤقت الذي أُبرِم في أوائل نيسان/أبريل مع بغداد. وعلى الرغم من تسليم مسؤولية تسويق النفط في ميناء جيهان التركي إلى شركة تسويق النفط سومو الاتحادية، إلا أن أربيل حصلت على إيرادات مبيعات النفط بأكملها، واحتفظت بسلطتها الكاملة على القطاع. سيسمح إيداع الإيرادات في حساب مصرفي تختاره حكومة إقليم كوردستان، بالحفاظ على استقلالية الإنفاق مقابل إعطاء بغداد القدرة على مراقبة الحساب. بقاء هذه الترتيبات على النحو المتفق عليه يبقى أمراً يستحق المتابعة.

تاريخياً، كان نفط إقليم كوردستان يُباع بسعرٍ مُخفّضٍ عطفاً على المخاطر السياسية والقانونية التي يتحملها المشترون، وهو ما أدى إلى التقليل من قيمته السوقية وحرمان أربيل من إيراداتٍ إضافية. وعلى مدار العامين الماضيين، أهدِرت إيراداتٌ فصلية إضافية تتراوح قيمتها بين 220 و750 مليون دولار بسبب تلك التخفيضات على الأسعار (انظر الرسم البياني رقم 1). وبعد أن ألغى قرار المحكمة الاتحادية العليا قانون إقليم كوردستان للنفط والغاز، وتبعته ملاحقة قانونية مشددة على المشترين فرضتها شركة سومو ، اتسع الفارق بين نفط الإقليم وخام كركوك[2] إلى 10 دولارات للبرميل الواحد.

وبعيداً عن التخفيضات، فإن صافي إيرادات النفط العائد لأربيل غالباً ما يتقلص بشكل كبير بسبب مستحقات شركات النفط الدولية العاملة في الإقليم والرسوم الضخمة على استخدام خطوط الأنابيب، مضافاً اليها تسديد الديون المرهقة لشركات التداول بالنفط عن الخام المُباع سلفاً، وهكذا فقد وصل صافي عائدات النفط إلى نصف عائدات النفط الإجمالية. حتى مع ارتفاع أسعار النفط بفضل الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي رفع إجمالي الإيرادات إلى رقم فصلي قياسي قدره 3.79 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2022، فقد احتفظت أربيل فقط بـ 1.57 مليار دولار (انظر الرسم البياني رقم 1). أما بالنسبة لعام 2022، فقد بلغ صافي عائدات النفط 46٪ أو 5.7 مليار دولار فقط من أصل 12.42 مليار دولار من إجمالي عائدات النفط،

يمكن القول إن استحواذ شركة سومو مربحٌ للطرفين، إذ ستحقق أربيل إيرادات أعلى من خلال بيع النفط دون تخفيضات، في حين يمكن لبغداد اكتساب حصةٍ سوقيةٍ في حوض البحر الأبيض المتوسط ​​حيث يزداد الطلب على النفط الخام المشابه لخام الأورال الروسي[3] بعد دخول الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي حيز التنفيذ في 5 كانون الأول/ديسمبر 2022.

الأهم من ذلك بالنسبة لأربيل، هو تضمّن الإتفاق أحكاماً مؤاتية لحكومة إقليم كوردستان للحفاظ على علاقاتها الحالية مع شركات النفط الأجنبية، إذ لن تتأثر عقود مشاركة الإنتاج التي لطالما انتقدتها بغداد لتخصيصها حصةً كبيرةً من الأرباح للشركات، بل وستتضمن الموازنة الاتحادية حوالي 1.9 مليار دولار كمدفوعاتٍ لتلك الشركات.

لقد علّقت الحكومة الاتحادية – بشكلٍ متقطع- مدفوعات الموازنة إلى إقليم كوردستان مع بدء الأخير بيعه للنفط بشكل مستقل في عام 2014، الأمر الذي دفع أربيل إلى الدخول على مضضٍ في اتفاقياتٍ لبيع النفط بالدفع المسبق لتغطية الاحتياجات المالية للإقليم. بموجب الاتفاق الجديد، ستساعد بغداد في إعادة هيكلة حوالي 3.35 مليار دولار من الديون المستحقة لشركات التداول بالنفط، مع مقترحاتٍ تركز على خصم المبلغ من حصص أربيل المستقبلية من الموازنة. وضِع هذا الرقم اعتماداً على عمليات التدقيق الرسمية التي قامت بها شركة ديلويت لوزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان، لكن بعض التقديرات البديلة ترى بأن المبلغ قد يرتفع إلى 6 مليار دولار. كذلك فأن أربيل مدينةٌ بمبالغ كبيرة لشركات النفط الدولية العاملة باستخراج النفط بسبب تأخر المدفوعات في الماضي، وقد رحبّت هذه الشركات بهدوء بدخول سومو على الخط على أمل أن تؤدي الإيرادات المرتفعة إلى حصولهم على اموالهم.

الرسم البياني رقم 1

حوافز بغداد لدعم الصادرات النفطية لإقليم كوردستان

لقد كان بإمكان بغداد الضغط من أجل المزيد من التنازلات بعد قرارات المحكمة الإتحادية العليا وغرفة التجارة الدولية، لكن يبدو أن الحكومة الإتحادية قد اختارت نهجاً أكثر تصالحية وتدريجية، على الرغم من معارضة بعض الأطراف المحافظة في الإطار التنسيقي الشيعي.

 إنَّ الحقيقة الصعبة هي عدم امتلاك بغداد القدرة على فرض تغييراتٍ جوهرية على الواقع الموجود في الإقليم، فقد استثمرت شركات النفط الدولية التي تعاقدت معها حكومة إقليم كوردستان مليارات الدولارات ولا يمكن استبدالها بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن استيعاب عقودها يستلزم تحمّلَ التزامات أربيل القانونية ومسؤولياتها المالية، وهو ما تحجِم بغداد عن فعله. وبالتالي، فإن الحفاظ على دورٍ نشط لوزارة الموارد الطبيعية يخدم مصالح بغداد. وعليه اختارت سومو نهجاً قانونياً دقيقاً في توقيع عقود تسويق جديدة مع الشركات التي تتداول نفط الإقليم، واختارت توقيع تلك العقود بالوكالة وليس مباشرةً، وهذا يعكس شيئاً من الحيطة القانونية.

يعتبر ميناء جيهان منفذ التسويق الوحيد لإقليم كوردستان، وقد أدى توقف التصدير المستمر إلى خلق فجوة كبيرة في الإيرادات لحكومة إقليم كوردستان، حيث تشكل إيرادات النفط 70٪ من دخلها الشهري. وقبل الانقطاع الذي حدث في أواخر آذار/مارس، قدّرت نشرة "ميدل ايست ايكونوميك سرفي – ميس" إجمالي الإيرادات للربع الأول من عام 2023 بنحو 2.29 مليار دولار، مما قد يعني أن صافي الإيرادات يبلغ حوالي 1.15 مليار دولار. حتى وقت كتابة هذا الموجز، فإن إغلاق خط الأنابيب قد طال لأكثر من شهرين، وهو ما كلّف أربيل ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من إجمالي الإيرادات. وبالمقارنة فإن التأثير المالي على سومو ضئيل نسبياً، إذ خسرت ما يزيد قليلاً عن 400 مليون دولار.

تصدّر الحكومة الاتحادية حوالي 98 ٪ من نفطها عبر موانئ الخليج في البصرة، وقد استغلت بغداد التوقف عن طريق زيادة الصادرات الجنوبية إلى الحد الأقصى. وبحلول نهاية نيسان/أبريل، كانت سومو قد أضافت ٩٨ ألف برميل يومياً من الصادرات عبر الميناء الجنوبي. وقد أدى هذا إلى زيادة الصادرات إلى 3.29 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022. ونتيجةً لذلك، ارتفعت إيرادات سومو إلى 7.69 مليار دولار. وكان هذا أعلى مستوى آنذاك منذ كانون الأول/ديسمبر رغم خسارة 75 إلى 90 ألف برميل يومياً من صادرات كركوك عبر الإقليم الى جيهان.

لا يودّ السوداني وحلفاؤه في ائتلاف إدارة الدولة رؤية تدهور أكبر في الوضع الاقتصادي لإقليم كوردستان، والذي قد يؤدي لخسارة دعم الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وعلى الرغم من التوترات التاريخية، فإن الاستقرار السياسي والاكتفاء المالي الذاتي في إقليم كوردستان هما في مصلحة تحالف إدارة الدولة والحكومة الإتحادية. لذا فإن استئناف صادرات نفط إقليم كوردستان أمرٌ ضروري للحفاظ على عملية المصالحة السياسية مع أربيل وتخليص بغداد من مهمة دعم بعض نفقات حكومة الإقليم.

لقد سمحت الحكومة الإتحادية بقروض شهرية من المصارف المملوكة للدولة ابتداء من آذار/مارس لدعم نفقات رواتب حكومة إقليم كوردستان، وقد وصل مجموعها إلى ما يقرب من 1 مليار دولار، على أن تُسوّى هذه المبالغ لاحقًا بعد إقرار الموازنة الإتحادية. تشكّل الرواتب الجزء الأكبر من نفقات أربيل الشهرية، إذ تصل إلى 80٪ من النفقات أو ما يقرب من 640 مليون دولار شهرياً. إن ارسال هذه الأموال بشكل قروض يأتي لمحاولة تجنب التبعات القانونية من قبل المحكمة الاتحادية العليا والتي كانت قد حكمت في كانون الثاني/يناير بعدم قانونية المدفوعات المباشرة لحكومة إقليم كوردستان.

تحديات سياسية داخلية تلوح في الأفق

تعتزم أربيل دمج الامتيازات التي حصلت عليها من بغداد في اتفاقية نيسان/أبريل المؤقتة في قانون النفط والغاز الإتحادي، مما قد يضمن لها الوصول المباشر إلى عائدات النفط، والحفاظ على العلاقات مع شركات النفط الاجنبية، والاحتفاظ بالولاية القانونية على حقول النفط التي تشرف عليها حالياً. سيتطلّب ذلك الوقوف بشدة امام وزارة النفط الإتحادية، التي تفضل تعزيز موقفها تجاه حكومة إقليم كوردستان، وكذلك الحفاظ على سلطتها على القطاع خارج الإقليم. لذلك، فإن نهج السوداني التصالحي الحالي قد لا يستمر ولا تكون له انعكاسات على القانون المستقبلي.

يمكن القول إن أهم عقبة أمام التوصل إلى اي اتفاقٍ نهائي تتعلق بمسألة المناطق المتنازع عليها، لا سيما في كركوك. إذ تدعو المادة 140 من دستور 2005 إلى إجراء استفتاء لتحديد ما إذا كانت محافظة كركوك ستبقى تابعة للحكومة الاتحادية أو ستنضم إلى إقليم كوردستان. بالحقيقة ان قبة خورمالة، وهي جزء من حقول نفط كركوك، تعد أكبر حقل منتج لحكومة إقليم كوردستان، إذ تمثل أكثر من ثلث إجمالي إنتاج النفط (انظر الرسم البياني رقم 2).

تشكل التوترات داخل الجانب الكردي عقبة إضافية ومصدراً رئيسياً لغياب الثقة. فالسياسة النفطية لحكومة إقليم كوردستان، مثلها مثل معظم شؤون حكومة الإقليم الأخرى، شُكّل أغلبها من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني. ويستاء منافسه التاريخي، الاتحاد الوطني الكوردستاني، من ذلك ويرى تفاوتاً داخلياً في تقاسم الموارد والميزانيات ومخصصات رواتب موظفي الخدمة المدنية المتواجدين في مناطق نفوذه.

إن المشاركة المحدودة للاتحاد الوطني الكوردستاني في المحادثات الأخيرة مع بغداد والمقاطعة التي استمرت ستة أشهر لاجتماعات مجلس وزراء حكومة الإقليم، إلى جانب الخلافات حول الانتخابات البرلمانية، تسلط الضوء على الانقسام داخل الجبهة السياسية الكوردية. تشير مشاركة نواب الاتحاد الوطني الكوردستاني في التعديلات المثيرة للجدل التي وضعتها اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي في 26 أيار/مايو إلى تحدٍ واضح لسيطرة ونفوذ الحزب الديمقراطي الكوردستاني. لقد هدفت تلك التعديلات إلى عرقلة  اتفاق الموازنة المبرم في منتصف آذار/مارس، بل وشملت دعواتٍ لحكومة إقليم كوردستان بوقف الإنتاج من خورمالة.

الرسم البياني رقم 2

إعادة تقييم طال انتظارها لسياسة تركيا تجاه العراق

يهدف تعليق تركيا المستمر للصادرات للضغط على العراق للانسحاب من قضية تحكيم ثانية، وكذلك التفاوض على تسوية بالنسبة للقضية الأولى. لم ترحب أنقرة بعد بالاتفاق المؤقت في أوائل نيسان/أبريل بين بغداد وأربيل، وتواصل شركة تشغيل خط الأنابيب بوتاش الاستشهاد بأسباب فنية لعدم استئناف الصادرات.

إن انخراط تركيا السابق في قطاع النفط المستقل بإقليم كوردستان والفوائد المتأتية من هذا التدخل قد عقّد علاقتها ببغداد. وعلى الرغم من الرغبة العلنية لكلا الطرفين بالتعاون الاقتصادي، إلا أن السياسيين العراقيين ينظرون إلى سياسة تركيا على أنها منحازة لإقليم كوردستان.

لقد استفادت أنقرة من موقع أربيل القانوني والجغرافي الهش من خلال بناء نفوذ سياسي واقتصادي وتجاري لدى السلطات هناك. تعود مشاركة الشركات التركية في قطاع النفط والغاز في الإقليم إلى عام 2003. تحتفظ حكومة إقليم كوردستان بإيرادات النفط في مصرف هالكبانك (Halkbank) العائد للحكومة التركية وتلقت شركة تي إي سي TEC الحكومية التركية مبلغ 2.5 مليار دولار كرسوم مرور من قبل حكومة الإقليم لنقل النفط عبر الجزء التركي من خط أنابيب العراق-تركيا منذ عام 2018. كذلك كان تعزيز العلاقات مع حكومة إقليم كوردستان على الأقل في البداية يخدم أجندة أنقرة التصالحية مع الأكراد على المستوى الداخلي.

قد تحتاج أنقرة على المدى الطويل إلى إعادة تقييم سياستها تجاه العراق نتيجةً للدور الجديد لبغداد في شؤون النفط في إقليم كوردستان، الا أن توقعات العراق بشأن استخدام حكم التحكيم للضغط من أجل معاهدة لتقاسم المياه على أساس الحصص مع تركيا، أو لتأمين انسحاب القوات التركية من إقليم كوردستان تمثّل إشكالية داخلية للحكومة التركية.

ولمعالجة هذه التوقعات، قد تركّز أنقرة المحادثات على قضايا الطاقة، مستفيدةً من اقتراب انتهاء صلاحية التعديل التعاقدي المبرم في سنة 2010 لمعاهدة خط أنابيب العراق-تركيا في أيلول/سبتمبر 2025. ومع ذلك، فإن انسحاباً تركياً أحادي الجانب من الاتفاق قد يعمق عدم الثقة في بغداد، وخاصةً إذا اقترن باستئناف صادرات حكومة إقليم كوردستان بالتعاون مع انقرة وبعيداً عن بغداد فقد يؤثر هذا سلباً على أربيل من الناحيتين السياسية والاقتصادية.

الاستنتاجات والتوصيات السياساتية

أدى انتصار العراق في التحكيم على تركيا إلى إنهاء تطلعات إقليم كوردستان للاكتفاء الاقتصادي الذاتي من خلال صادرات النفط المستقلة، إذ عمل قطاع النفط في إقليم كوردستان منذ قيامه في منطقة رماديةٍ من الناحية القانونية، وقد أكّد فقدان منفذ التسويق الأساسي لأربيل – أي ميناء جيهان – ضعف تلك السياسة.

بعد حكم غرفة التجارة الدولية، ركّز الحزب الديمقراطي الكوردستاني سياسته على حماية الجوانب الرئيسية لنفوذه على القطاع. على الرغم من تسليم التسويق إلى سومو، إلا أن الاتفاق بين حكومة إقليم كوردستان وبغداد يسمح للأولى بالاحتفاظ بإيرادات النفط، والإبقاء على العقود مع شركات النفط الدولية، والإشراف على العمليات النفطية.

هذه المكاسب هشة من الناحيتين القانونية والسياسية، فالتفاهمات السياسية تعد رهينة لأي تدهور في العلاقات بين القادة السياسيين في بغداد وأربيل. علاوةً على ذلك، قد تؤدي الانقسامات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني إلى زعزعة استقرار العملية برمّتها، وكذلك الحال للقوى السياسية المناهضة لحكومة إقليم كوردستان داخل المشهد السياسي العراقي.

ويُظهر التاريخ الحديث سجلاً حافلاً بعدم الامتثال للإتفاقات بين بغداد وأربيل، الذي يستمر ليعزّز تلك الحالة من انعدام الثقة. لذلك، يجب على حكومة إقليم كوردستان إعطاء الأولوية للعمل مع الحكومة الإتحادية لصياغة قانون النفط والغاز الإتحادي وإقراره في أقرب وقت ممكن. ويجب أن تهدف هذه العملية إلى إضفاء شرعيةٍ دائمة على سيطرتها على القطاع والتخفيف من المخاطر المستقبلية لبيئة العمل فيه.

إن الشرط المسبق لنجاح هذه السياسة هو التوصل إلى مصالحةٍ مستدامة، وليس مجرد انفراجة، بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. يستلزم هذا تبني آلياتٍ شفافة وعادلة لتقاسم الموارد وتعزيز المؤسسات داخل حكومة إقليم كوردستان.

ومع ذلك، فمن المتوقع أن يكون إقرار قانون النفط والغاز عملية طويلة. فتعافي قطاع النفط في إقليم كوردستان مرتبط بإستئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب جيهان. حتى بعد إعادة التشغيل، سيظل شبح الإغلاق في المستقبل مصدراً للتقلبات والمخاطر السياسية، في ظل غياب اتفاق تشريعي يعرّف بوضوح إدارة قطاع النفط في إقليم كوردستان.

من الناحية الواقعية، لا يمكن لبغداد أن تفرض تنازلاتٍ على تركيا، وسيكون إدراج القضايا الثنائية غير المتعلقة بالطاقة في المحادثات المستقبلية عديم الجدوى. فجيهان هو المنفذ الوحيد الثانوي المتاح لتسويق النفط في العراق غير مرافئه على الخليج وقد يلعب دوراً مهماً لبغداد إذا نجحت شركة تسويق النفط سومو في طموحها لتقوية العلاقات والحصة السوقية مع المصافي في حوض البحر الأبيض المتوسط.

إنَّ أفضل مسار عمل للحكومة الإتحادية هو التوصل إلى تسوية ودية مع تركيا، والاستفادة من ذلك لبناء الثقة مع أنقرة وتعزيز التعاون الاقتصادي.

* يود المؤلف أن يشكر نشرة "ميدل ايست ايكونوميك سرفي – ميس"  لتوفيرها البيانات اللازمة لإنشاء الرسوم البيانية المستخدمة في هذه الورقة.

 

الهوامش

[1] ملاحظة: كُتب الموجز السياساتي هذا قبيل تمرير البرلمان العراقي لقانون الموازنة الإتحادية لسنة 2023 والذي شهد تغييرات هامة في الاتفاقات المُبرمة بين الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كوردستان العراق وعليه لم يتم تضمين تلك التغييرات هنا.

[2] من الناحية الكيميائية، تطابق شحنات النفط المصدّر من إقليم كوردستان والمعروف عادة باسم مزيج كوردستان (KBT) خام كركوك المصدر عن طريق سومو، إذ لهما نفس مقياس الكثافة النوعية (API Gravity) ٣٤ ْ ونفس نسبة الكبريت ٢.٢٪

[3] يتمتع خام الأورال الروسي بمقياس كثافة نوعية (API Gravity) قدره ٣١ ْ ونسبة كبريت ١.٥٪ وهي قريبةٌ جداً من أرقام نفط كركوك.

 

Related Posts